انقسام حاد يشهده الشارع المصري ومواقع التواصل الاجتماعي حول كيفية إخراج زكاة الفطر، وعلى ما يبدو فهذا الانقسام أصبح عادة موسمية تتجدد كل عام تزامنًا مع انتهاء شهر رمضان وقرب حلول عيد الفطر المبارك.معركة فكرية تدور رحاها الآن بين فريقين متناحرين، كلُ منهم متشبث برأيه من دون الالتفاف إلى وجهة نظر الآخر، الأول يُصرُّ على أنّ زكاة الفطر لا بد وأن تكون طعامًا من المحاصيل الزراعية كالقمح والأرز، ولا يجوز إخراجها غير ذلك بأيّ شكل من الأشكال، أمًا الفريق الثاني فيرى أنه لا مانع من إخراجها نقودًا أو طعامًا كلُ على حسب استطاعته.وبين هذا وذاك، يقف المواطن حائرًا حول كيفية إخراجه لزكاة الفطر، طعامًا أم نقودًا، ولا يدري أيٌّ الفريقين رأيه الصواب في مسألة فقهية مهمة لدى جموع المسلمين.الأصل في زكاة الفطر وفي خضمّ حالة الجدل الدائرة داخل مصر حول طريقة إخراج زكاة الفطر، التقت منصة "المشهد" عددًا من كبار العلماء بالأزهر الشريف من أجل الوقوف على الطريقة الصحيحة لإخراج هذه الزكاة. وفي هذا الإطار، يقول عضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، وأحد كبار العلماء الدكتور عبد العزيز النجار، أنّ الأصل في إخراج زكاة الفطر هو الحبوب، وكل دولة تُقدّر قوت غالب أهلها، وبالنسبة لمصر فغالب قوت أهلها القمح والأرز، ومن ثم تم تحديد مقدارهم في إخراج زكاة الفطر داخل الدولة، وكشف أنّ الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يخرجوها إلا حبوبًا، كما أنّ جمهور الفقهاء (الشافعية والمالكية والحنابلة) أجمعوا على أنّ طريقة إخراجها من الحبوب ما عدا الإمام أبو حنيفة أقرّ طريقة إخراجها مالًا.حكم إخراج زكاة الفطر مالاً؟ويؤكد النجار أنه لا مانع مطلقًا ولا حرج في إخراج زكاة الفطر نقودًا بدلًا من الحبوب، وهذا الأمر جائز شرعًا خصوصًا مع متغيرات الحياة ومستجدات العصور، حيث إنّ عملية تبادل السلع التي كانت سائدة بين الناس قبل ذلك، لم يعد لها وجود الآن، والتي كانت تتم عن طريق أنّ الشخص يأخذ حبوبًا من القمح أو الذرة أو الأرز، ويعطيها لأحد أصحاب محال البقالة ويأخذ منه سلعة أخرى مثل السكر أو الزيت أو غير ذلك من السلع التي يحتاج إليها الشخص، أما في عصرنا الحالي لم يعد هذا الأمر موجودًا، وبالتالي أصبح الأمر الذي يفيد الشخص هو المال.وتعدّ الجماعة السلفية بحسب النجار هي الأكثر تشددًا داخل مصر في القول بضرورة إخراج زكاة الفطر حبوبًا، وترفض بشكلٍ قاطع إخراجها نقودًا، بل وتحثّ الناس على هذا الطرح، مؤكدًا أنّ في ذلك مغالاة شديدة في التيسير على الأمور الحياتية للمواطنين، متسائلًا: ماذا لو أعطيت الفقير الزكاة قمحًا أو أرزًّا ليلة العيد؟ ماذا سيصنع بها؟، خصوصًا وأنّ أبناءه يحتاجون إلى ملابس جديدة كباقي أولاد المسلمين من غير المستحقين للزكاة، فضلًا عن أنهم يحتاجون أشياء أخرى لا تكون إلا بالمال، وبالتالي في حال الإصرار على إخراج زكاة الفطر حبوبًا، ستنتفي الحكمة والقصد من تشريعها.مقدار الزكاة هذا العامدار الافتاء المصرية حدّدت قيمة زكاة الفطر لهذا العام بـ35 جنيهًا كحد أدنى عن كل فرد تجب عليه الزكاة، مبينةً على لسان مفتيها الدكتور نظير عياد، أنّ قيمة زكاة الفطر تعادل 2.04 كيلوغرام من القمح عن كل فرد، وحول سبب تحديد القمح في إخراج مقدار زكاة الفطر، أرجعه أحد علماء الأزهر الشريف الشيخ محمد رمضان، إلى أنه غالب قوت أهل مصر والغذاء الرئيسي لهم، مشيرًا إلى أنّ حساب السعر الحالي لكيلو القمح الواحد يقدّر بنحو 13.33 جنيهًا، وبناءً على هذه الحسابات، تبلغ قيمة الزكاة العينية 2.04 كيلوغرام من القمح، ما يعادل 27.19 جنيهًا، إلا أنّ دار الإفتاء قررت رفع المبلغ إلى 35 جنيهًا كحد أدنى لضمان تحقيق منافع أكبر للمستحقين.وعقب تحديد دار الافتاء مبلغ الـ35 جنيهًا كحد أدنى لزكاة الفطر لهذا العام، اعتبر البعض هذا المبلغ غير كاف، لكنّ رمضان أكد أنّ هذا المبلغ هو القيمة المعتمدة والتي تهدف إلى مساعدة المستحقين، مع احترام القدرة المالية للمجتمع من أجل إعطاء فرصة لمختلف الطبقات والأسر أن تُخرج هذه الزكاة من دون أعباء عليهم، لكن إذا كان الشخص مقتدرًا فيمكنه دفع مبلغ أكبر ولا مانع في ذلك.وفي ما يتعلق بالأشخاص الذين يحق لهم إخراج زكاة الفطر، أوضح عضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف الدكتور عبد العزيز النجار، أنها تجب على كل مسلم أدرك جزءًا من رمضان ويملك قوت زائد عن ليلة يوم العيد ولو كان فقيرًا، موضحًا أنها زكاة أبدان وليست بزكاة مال، فلو ولِد طفل قبل مغرب آخر يوم في رمضان وجبت عليه زكاة الفطر.وقت إخراج زكاة الفطرويؤكد النجار أنّ الوقت الصحيح لإخراج زكاة الفطر هو من وقت غروب آخر يوم في رمضان وحتى مطلع فجر عيد الفطر، أي أنه لا بد من إخراجها قبل موعد صلاة العيد من أجل نيل ثوابها وأجرها، لكنه أوضح أنّ بعض مذاهب الفقهاء وخصوصًا الإمام أبو حنيفة، أجاز خروجها بداية من أول أيام شهر رمضان لكي يتمكن الفقراء والمحتاجون أن يستفيد بها يوم العيد، وذلك لقول الرسول محمد، "أغنوهم بها عن السؤال في ليلة العيد"، على ضرورة إخراج زكاة الفطر قبل موعد صلاة العيد، وذلك لنيل أجرها، وحتى يتيسر للمحتاجين الاستفادة منها،وبيّن النجار أنه في حال تعمّد الشخص عدم إخراج زكاة الفطر قبل صلاة العيد وقام بإخراجها بعد الصلاة، ففي هذه الحالة يعدّ إثمًا، وتعدّ صدقة من الصدقات ولا تجزّأ مطلقًا عن زكاة الفطر لأنّ وقتها قد مضى، لكن في حال نسيانها لأيّ سبب وقام الشخص بإخراجها بعد صلاة العيد فتعدّ زكاة مقبولة.الحكمة من زكاة الفطرومن جهته، بيّن الشيخ محمد رمضان أحد علماء الأزهر، أنّ المستحقين لزكاة الفطر هم الفقراء والمساكين وابن السبيل (أي المسافر الذي يحتاج إلى من يدعمه)، بالإضافة إلى الغارمين وهم المدنيون، والعاملين على جمع الزكاة، لكنه أوضح أنّ الأولى بأخذ زكاة الفطر هم أولو الأرحام أي الأقارب، بشرط أن يكونوا فقراء ولا يكونوا أصلًا ولا فرعًا، والأصل يعني الجد وجد الجد وما علا، أمًا الفرع فيعني الابن وابن الابن وما نزل.ويقول رمضان إنّ الحكمة من إخراج المسلمين لزكاة الفطر، هو تطهير للصيام، ما قد يؤثر فيه وينقص ثوابه من اللغو والرفث، ومواساةً للمحتاجين والمساكين، وإغناءً لهم من ذلّ الحاجة والسؤال يوم العيد، كما أنّ لزكاة الفطر إظهار شكر نعمة الله على العبد بإتمام صيام شهر رمضان، وفعل ما تيسر من الأعمال الصالحة في هذا الشهر الكريم.وتجدر الإشارة إلى أنّ الخلاف على إخراج زكاة الفطر داخل مصر نقودًَا أو طعامًا متجددًا كل عام، وقد يصل هذا الخلاف إلى حدوث انقسام فكري كبير يقود البعض إلى حد التطاول على الآخر، واتهامه بمخالفة نهج الرسول محمد.(القاهرة - المشهد)