كان على العراق أن ينتظر 44 عامًا قبل أن يعود أخيرًا، بعد طول غياب، ببطولة كأس الخليج العربيّ لكرة القدم، إلى الحاضنة العربيّة.عقودٌ عجاف، تعدّدت أسبابها، جعلت العراق غريبًا بين إخوته، ليفكّ وحدته أخيرًا، باستضافة مدينة البصرة النسخة 25 من كأس الخليج العربيّ. استضافةٌ هي الثانية من نوعها في تاريخه، بعد بطولة 1979 في بغداد، والتي فاز فيها البلد المضيف.البصرة الغنيّة بنفطها، اغتنت بزوارها العرب، واحتفت بهم من خلال كرنفالات اجتماعيّة وتراثيّة غير مسبوقة، لابسة أحلى حللها، وبمظاهر كرم أخجلت ضيوفها.البصرة، القريبة من جيرانها، والتي تقع في أقصى جنوب البلاد على رأس الخليج، كانت تعرف بـ"بندقية العراق" لأنهارها، وكانت بوابة دول الخليج للعراق.محافظ البصرة أسعد العيداني وصف المشهد بأنه "لحظات تاريخيّة تشهدها المدينة وأبناؤها مجدّدا وهم يلتقون ويستقبلون أبناء دول الخليج".حوادث حربيّة، وأوضاع سياسيّة، دفع فاتورتها العراق، فغاب عن أجواء البطولة المحبّبة لدى أبناء المنطقة.منافسات خليجي 25 التي انطلقت في السادس من الشهر الجاري، على استاد البصرة الدولي، وتستمرّ حتى التاسع عشر منه، أرادته اللجنة المنظمة استثنائيا ليعكس حسب ما قالته "إرث وتاريخ المدينة وما تتميّز به من علاقات حياتيّة واجتماعيّة مشتركة مع بقية دول منطقة الخليج".ومن هذا المنطلق، اختيرت تعويذة البطولة "السندباد البحريّ" إحدى الشخصيات الأسطوريّة لحكايات ألف ليلة وليلة التي جابت الصحاري والبحار والمحيطات انطلاقًا من البصرة، لتروي مغامرات رحلاتها البحريّة، وليعود سندباد إلى المدينة برحلة ثامنة مع شقيقاته الخليجيات السبع عُمان، السعودية، اليمن، البحرين، الإمارات، الكويت وقطر.بطولة كرويّة، يسعى العراق من خلالها، وعبر إجراءات أمنيّة مشدّدة، لحفظ أمن المشاركين والمشجّعين، وتسهيلات في الدخول إلى أراضيه عبر منحهم تأشيرات مجانية، لإعطاء دفعة أمل ودعم إيجابية نحوه.بطولة أدخلت البهجة على الجانب العربيّ، نغّصت على إيران مرقدها العراقيّ الذي تريد الاستئثار به، فلم تجد سوى استنكار للاسم، وجّهه وزير الرياضة والشباب الإيراني، حميد رضا سجادي، لِما قال إنّه "تحريف اسم الخليج الفارسي" في كأس الخليج، واستخدام اسم مزيف من قبل رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا".تشويش، لم يلق آذانا مصغية وسط الفرحة، لفكرة كأس الخليج العربيّ، التي تعود أساسا إلى الأمير السعودي خالد الفيصل الذي طرحها عام 1968، وتبنتها البحرين التي استضافت البطولة عام 1970 بمشاركة 4 فرق هي: البحرين والسعودية والكويت وقطر، لتتحوّل بعد ذلك إلى بطولة رسميّة استمرّت حتى يومنا هذا. إذا، إنّها أكثر من أربعة عقود والعراق بعيد، إلا قليلًا، عن واجهة أحداث الخير والفرح العربيّة، وها هو يعود ليطلّ بأجنحته السبعة.