في يونيو 2021، وبينما كان لبنان يعاني من أزمة مالية حادة، هبط حاكم المصرف المركزي في مطار لو بورجيه بباريس عبر طائرة خاصة، حيث اكتشف موظفو الجمارك أنه يحمل مبالغ كبيرة من النقد غير المعلن عنها، بحسب ما جاء في تقرير لصحيفة "فاينانشال تايمز" استند إلى وثائق قضائية رسمية وشهادات محققين.رياض سلامة، الذي يحمل أيضا الجنسية الفرنسية، قال لموظفي الجمارك في البداية إنه يحمل فقط 15 ألف يورو. ولكن عندما فتشوا حقائبه، اكتشفوا بدلا من ذلك 85 ألف يورو و7.7 آلاف دولار. وعندما سئل عن تلك المبالغ غير المعلن عنها، قال إنه ببساطة "نسي" أن النقود التي تعود ملكيتها له كانت في حقيبته. أن ينسى الشخص الذي يتصدر انهيار الوضع المالي في لبنان مبلغ 100 ألف دولار عندما كان الملايين من اللبنانيين محرومين من مدخراتهم منذ انهيار نظام البنوك في البلاد منذ عامين، يظهر الفجوة العميقة بين أسلوب حياته وأسلوب حياة معظم اللبنانيين. وبينما أنفق سلامة ببزخ على الطائرات الخاصة وعشيقاته، شهد اللبنانيون تراجع قيمة مدخراتهم، حيث أصبحت رواتب الموظفين الحكوميين تعادل أقل من 100 دولار شهريا. وفي يوليو الماضي، عندما غادر سلامة (73 عاما) مقر مصرف لبنان للمرة الأخيرة، تم استقباله بالتصفيق من قبل حشد صغير من المؤيدين. لكن سمعة سلامة الآن بعد 30 عاما على رأس المصرف باتت تعكس تحميله مسؤولية سير البلاد في طريق الهاوية، إذ تم مقارنة النظام المالي الذي ساعد في صياغته بـ"نظام بونزي" والذي أفقر ثلاثة أرباع السكان وترك أثرا طفيفا على الأثرياء بمن فيهم نفسه. ويعتبر رياض سلامة محور تحقيقات قضائية في لبنان والولايات المتحدة وعلى الأقل 7 دول أوروبية، في اتهامات تتعلق بارتكاب جرائم مالية. حيث أصدرت دولتين منهما مذكرات توقيف بحقه. كما أنه في 10 أغسطس، تم فرض عقوبات عليه من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا، وفتح تحقيقا ضده بواسطة مكتب النائب العام في المنطقة الجنوبية من نيويورك. ويشبه صعود سلامه وسقوطه وضع لبنان، حيث عانت عقودا من الخداع والفساد، وهي الآن عالقة فيما وصفه البنك الدولي بواحدة من أسوأ "الكسادات الاقتصادية في العالم". متاهة مصرفية واستعرضت صحيفة "فاينانشال تايمز" في تقريرها استنادا إلى وثائق قضائية أوروبية ولبنانية، كيف قام سلامة وشركائه بالانخراط في ممارسات مالية احتيالية "على حساب الدولة"، وغسل الأموال، والاختلاس من الأموال العامة. وتشمل هذه الوثائق تقارير المحاكم والشرطة، وسجلات مالية، وتقارير المراجعين، وميزانيات الشركات، وعقود العقارات، ونصوص شهادات الشهود من محيط سلامة. وإلى جانب شقيقه رجا، يُتهم سلامة بسحب ما لا يقل عن 330 مليون دولار من الأموال العامة، وتبييض هذه الأموال من خلال متاهة من الحسابات المصرفية الدولية والحسابات البنكية الخارجية المرتبطة بعائلته وعاشقاته، وشراء عقارات فاخرة من ميونيخ إلى نيويورك، والتورط في الاحتيال على المصرف المركزي من خلال استئجار مساحات مكتبية مرتفعة الثمن في باريس من شركة يمتلكها. وتسلط الوثائق أيضا الضوء على التأثير الكبير الذي يمتلكه سلامة على قطاع البنوك في لبنان، حيث يشير المحققون إلى أنه تواطأ مع البنوك التجارية لتحقيق فوائد متبادلة من خلال "المعاملات المشبوهة" والقروض بدون فوائد و"ترتيبات لإخفاء الخسائر". كما يبحث المحققون في أوروبا في مدى تورط البنوك المحلية في هذه الخطط.وعندما أعلنت وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات ضده، قالت إن سجل سلامة المزعوم للجرائم "ساهم في الفساد المستشري بلبنان وأبقى على الانطباع بأن النخب ليست بحاجة إلى الامتثال للقوانين نفسها التي تنطبق على كل اللبنانيين". وعلى الرغم من أن سلامة ينفى دائمًا جميع الاتهامات، إلا أنه رفض التعليق على الوثائق التي يتضمنها التقرير، قائلا إنه "يحترم القانون وسرية التحقيقات". "هندسة مالية" تولى سلامة منصبه في عام 1993، حيث تم تعيينه بواسطة رئيس وزراء لبنان بعد الحرب الأهلية رفيق الحريري. وعلى عكس سلفه، جاء سلامة من عالم المال، إذ كان يدير محفظة الحريري أثناء عمله كمستثمر في بنك "ميريل لينش" بباريس. وفق التقرير، قام الرجلان بتسهيل إحياء الاقتصاد اللبناني بعد 15 عامًا من الحرب الأهلية، إذ استمر نظام لبنان المالي في الاعتماد بشكل رئيسي على التدفقات الأجنبية والمواطنين اللبنانيين الأثرياء لاستغلال تشريعات السرية المصرفية. ومن أجل الحفاظ على أسعار إقراض معقولة وتمويل خطط إعادة الإعمار، ثبت سعر الليرة اللبنانية عند 1.507 مقابل الدولار. وبعد 3 عقود، يشير الاقتصاديون إلى قرار سلامة بالحفاظ على هذا السعر الثابت مهما كانت التكلفة، كان أحد جذور الفساد الحالي، لأن النظام كان معتمدًا بالكامل على الدولارات الواردة. وخلال العقدين الماضيين، أطلق على سلامة لقب "الساحر" حيث أبقى الاقتصاد مقاوما خلال فترات الصراع والفوضى السياسية. لكن، في الوقت نفسه، توقف المصرف المركزي عن نشر بيانات الربح والخسارة، واكتفى بالإعلان عن مكاسب سنوية من خلال خدع محاسبية، وهذه النتائج تم تكرارها في تدقيق محاسبي حديث للمصرف المركزي. ونما تأثير سلامة بين الداعمين الأجانب والمصرفيين والنخب السياسية، إذ قالت مصادر مصرفية كبيرة وموظفون سابقون في مصرف لبنان إن سلامة "أدار المصرف المركزي كما يدير الإمبراطور"، وزعمت وثائق قضائية أنه كان لديه "سيطرة مطلقة" على عملياته، كما استغل الإنقاذ المالي وشروط القروض المواتية لكسب المصرفيين لصالحه. ومع تباطؤ تدفق الأموال الخليجية بعد سنوات من عدم الاستقرار، بما في ذلك خلال حرب عام 2006 بين حزب الله وإسرائيل، لجأ سلامة إلى ما أسماه "الهندسة المالية"، حيث شجع المصارف التجارية على زيادة ودائعها بالدولار في المصرف المركزي بأسعار فائدة تصل إلى 12%، من أجل تعزيز الاحتياطيات الأجنبية التي كانت أساسا لاستقرار العملة. بالمقابل، قدمت البنوك أسعار فائدة مرتفعة جدا لعملائها على الودائع لعدة سنوات، وقامت بتحويل معظم سيولتها الأجنبية من البنوك في الخارج إلى ودائع في البنك المركزي. وخلال سنوات الحرب الأهلية من عام 1975 إلى 1990، حافظت البنوك على حوالي 90% من احتياطاتها في أصول سائلة بالعملة الأجنبية، وفقا للاقتصادي توفيق جسبار، والذي يضيف: "بحلول عام 2019، تراجعت هذه النسبة إلى 7%". في هذا الوقت، تم استثمار أكثر من ثلث ودائع البنوك اللبنانية مع الدولة، وفقًا للخبيرة في تاريخ الاقتصاد اللبناني جوان شاكر، "إذ كانت أسعار العائد غير طبيعية. والمدفوعات السنوية على الدين العام المستحق تشكل أكثر من ثلث إجمالي الإنفاق الحكومي سنويا". ووصف السياسيون والاقتصاديون لاحقا نظام الهندسة المالية لرياض سلامة بـ"نظام بونزي مدعوم من الدولة". لكن كل هذا انهار في عام 2019 بتأثير كارثي، فبعد عقد من عدم الاستقرار في المنطقة، لم تعد هناك ما يكفي من الدولارات للحفاظ على النظام المالي اللبناني. وتراجعت الليرة إلى مستويات تاريخية منخفضة وفرضت البنوك حدود جزائية على سحب الأموال، وكانت الحكومة عاجزة وغير قادرة على التصرف، كما تقلص الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 40% والتضخم تجاوز ثلاثة أرقام. وركزت الغضب العام في الشارع بشكل كبير على سلامة، حيث يحمله الكثيرون في لبنان المسؤولية الشخصية عن تدمير مدخراتهم. "لقد فقدنا كل شيء بسببه"، يقول محمد علي حسن، صاحب محل تجاري، مضيفا: "الشيء الوحيد الذي سيخفف غضبي هو رؤيته وراء القضبان".وعلى عكس معظم اللبنانيين، يبدو أن ثروة سلامة الشخصية قد نمت طوال الأزمة. ففي وقت سابق من هذا العام، قال سلامة للمحققين الأوروبيين أثناء التحقيق إن قيمة أمواله النقدية والعقارية كانت تبلغ 60 مليون دولار في عام 1993، بما في ذلك 8 ملايين دولار أراضي عائلته الموروثة، مشيرا إلى أن ثروته الآن تبلغ 200 مليون دولار، وهذا يعني أنها زادت أكثر من 3 مرات خلال 30 عامًا. وقال سلامة إن ثروته تراكمت خلال سنوات عمله كمستثمر مصرفي واستثماراته الحكيمة. ومع ذلك، توصلت دراسة مالية قام بها محققون ألمان في عام 2022 إلى أنه "لا يمكن أن يكون قد جمع كل ثروته بالمال الذي كان يمتلكه بشكل مشروع قبل توليه منصب حاكم مصرف لبنان". مصادر قريبة من التحقيقات قالت للصحيفة البريطانية إن تقديرات سلامة لثروته قد تكون أقل من الحقيقة، نظرا لأن العديد من الأصول من المحتمل أن تكون مخفية في جزر الملاذات الضريبية أو تكون غامضة بسبب السرية المصرفية في لبنان. سر "Forry" في عام 2020، بدأت سويسرا تحقيقًا، تلتها لبنان وفرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ في عام 2021. كما تحقق سلطات موناكو وليختنشتاين وبلجيكا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة في أنشطة سلامة. وظهرت في قلب التحقيقات السويسرية شركة غير معروفة تُدعى "Forry Associates" تأسست عام 2001 ومسجلة في جزر العذراء البريطانية، وتمتلك الشركة بالكامل من قبل شقيق سلامة الأصغر رجا. ويزعم المحققون الأوروبيون أن هذه الشركة كانت الوسيلة الرئيسية التي من خلالها اختلس سلامة حوالي 330 مليون دولار من مصرف لبنان بين عامي 2002 و2016، حيث قام بتوجيه العديد من تلك الأموال إلى اقتناء عقارات فاخرة في عواصم أوروبية ولبنان ونيويورك. وفي 6 أبريل 2002، وقعت الشركة المزعومة عقد وساطة مع المصرف المركزي، والذي سمح لها بأن تكون وسيطًا بين مصرف لبنان والبنوك التجارية لشراء أو بيع أدوات مالية مثل السندات الأوروبية وسندات الخزانة وشهادات الإيداع. وبموجب هذا العقد، الذي وقعه رياض سلامة ومدير الشركة المسمى كيفن والتر، حصلت "Forry" على عمولة وسيط تصل إلى 0.38% من قيمة كل صفقة. موظفو مصرف لبنان الذين تم استجوابهم من قبل المحققين الأوروبيين في العام الماضي قالوا إنهم لم يكن لديهم أي فواتير أو إيصالات تتعلق بشركة "Forry". فيما قال سلامة للمحققين إنه كان يتعامل مع تلك الصفقات بنفسه، وكلف مرؤوسا بتنفيذ التحويلات إلى حسابها. ووفق تقرير "فاينانشال تايمز" دفعت العمولات مباشرة من البنوك التجارية إلى ما سماه سلامة "حساب تسوية"، ومن ثم تم توجيهها إلى حسابات "Forry" في البنوك في سويسرا. وقال سلامة للمحققين إن الموظف في مصرف لبنان الذي تعامل مع التحويلات كان يُرسل له رسالة تفصيلية بكل صفقة ليوقع عليها. وبعد مرور أكثر من عامين على التحقيق، لم يتمكن المحققون بعد من توثيق أن لـ "Forry" أي أنشطة تجارية إلى جانب استلام الأموال من مصرف لبنان، كما لم يتم العثور على قائمة للعملاء أو الموظفين، ولا على شخص باسم "كيفن والتر". وخلال عام 2022، في عملية بحث عن مقر "Forry" في بيروت، وهو نفس العنوان المسجل كمكتب سابق لرجا سلامة، لم يكن هناك موظفين، ولم تكن هناك خطوط هاتف ثابتة، ولم يكن هناك رأس مال مسجل باسم الشركة، ولم تنجح كل محاولات الاتصال بها. كما لم يستجب رجا سلامة لطلبات التعليق، لكنه في وقت سابق نفى أي تورط له في أي عمل غير قانوني. وكتبت القاضية الفرنسية أود بوريسي في وثائق التحقيقات أن العمولات "لا تتطابق مع أي خدمة حقيقية قامت بها (Forry). كما استفاد رياض سلامة وأقاربه". وصرحت عدة بنوك دفعت عمولات لمصرف لبنان خلال فترة معنية أنها لم تسمع أبدا بشركة "Forry" حتى تم الكشف عن وجودها في وسائل الإعلام، وكانوا لم يكونوا يعرفوا أنهم كانوا يدفعون عمولات على صفقات تتضمن أدوات مالية لشركة يمتلكها رجا سلامة. وأفاد رياض سلامة للمحققين اللبنانيين بأن موظفي البنوك لم يكونوا على علم بوجود "Forry"، وأن مدفوعات الشركة يبدو أنها لم تخضع للرقابة التقليدية أو للتدقيق الخارجي، وفقا لملاحظة ملخصة كتبتها قاضية لبنانية في فبراير 2022. وقال سلامة للمحققين إن مجلس إدارة مصرف لبنان المركزي قام بتكليفه بتوقيع عقد مع "Forry" في عام 2001، ولكن أعضاء المجلس المركزي السابقين في المصرف المركزي أخبروا المحققين أن هذا لم يحدث. وتشير السجلات الداخلية لمصرف لبنان المركزي وشهادات الشهود إلى أن العقد لم يُظهر أبدًا لأعضاء المجلس اللاحقين، الذين قالوا إنهم لم يكونوا على علم به. وأصر رياض سلامة على أن "Forry" كان لديها عقد شرعي مع المصرف المركزي وأخبر المحققين بأنه لم يكن لديه أي علاقة بأي إجراءات للشركة لأنه "لم يكن له علاقة بها".وكجزء من دفاعه، قام سلامة بتوظيف شركة تدقيق محلية لإعداد تقرير، الذي برأه من الاتهامات. وقد توصل التقرير إلى أنه لم يتم إرسال أموال من مصرف لبنان إلى حسابات المحافظ أو "Forry". وتعرضت "Forry" لمشكلات في عام 2015، عندما اكتشف بنك "HSBC" في سويسرا عدم انتظام تحويلين بقيمة 7 ملايين دولار، وفقا لتقرير داخلي للبنك أطلعت عليه "فاينانشال تايمز". حيث طلب بنك "HSBC" نسخة من العقد الأصلي مع مصرف لبنان، لكن رجا سلامة قدم نسخة مع وجود اختلافات واضحة عن النسخة الأصلية، لهذا رفض البنك معالجة تلك التحويلات وأغلق الحساب. وقال المحققون الفرنسيون إن هذه الاختلافات تعني أن عقد "Forry" مع مصرف لبنان المركزي كان "غير موجود قانونيًا". ودرس المحققون تدفقات الأموال من حساب "Forry" في بنك "HSBC" بسويسرا لتقديم أمر الإحالة ضد سلامة وشركائه المزعومين، حيث اتبع ذلك عملية معقدة جرت من خلال عدة حسابات مصرفية في أوروبا وآسيا والولايات المتحدة، بالإضافة إلى شركات وجمعيات مالية في بنما وجزر العذراء البريطانية وجزر كايمان وبليز وليختنشتاين ولوكسمبورغ. وتظهر الوثائق القضائية أن حساب "Forry" قد نقل أكثر من 248 مليون دولار إلى حسابات رجا سلامة الشخصية في "HSBC" سويسرا بعملات متعددة بين عامي 2002 و2016. ومن هناك، تم تتبع ما لا يقل عن 207 ملايين دولار على الأقل إلى عدة حسابات له في 5 بنوك لبنانية. ووفق التقرير، عادت معظم تلك الأموال بعد ذلك إلى شركات في الخارج، وحسابات خارج البلاد، ووسائل استثمارية كان رياض سلامة هو المستفيد الاقتصادي منها، إما مباشرة من حسابات "Forry" أو عبر شقيقه رجا. وكتبت القاضية الفرنسية أود بوريس في الوثائق القضائية: "سمحت هذه العمليات بإخفاء أصل الأموال المختلسة". ويقول المحققون إن الأموال المرتبطة بـ "Forry" تم استخدامها لشراء عقارات في باريس ونيويورك، والمملكة المتحدة وألمانيا وسويسرا وبلجيكا. وفي عام 2022، تم تجميد معظم العقارات والحسابات المصرفية المرتبطة بسلامة في أوروبا كجزء من التحقيق المشترك الذي قادته فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ. كما أعلنت وكالة الاتحاد الأوروبي للتعاون في مجال العدالة الجنائية مصادرة نحو 120 مليون يورو من الأصول، بما في ذلك حسابات بنكية وعقارات. وفي وقت سابق من هذا العام، قامت أيضا السلطات الأميركية بمصادرة عقارين لسلامة في نيويورك وحسابات مصرفية مرتبطة به. شركاء سلامة ينظر المحققون الأوروبيون في العديد من أفراد العائلة والمقربين الذين يزعمون أنهم ساعدوا رياض سلامة في مخططه للتلاعب بمصرف لبنان المركزي، إذ ركز المحققون الفرنسيون على الأوكرانية آنا كوساكوفا المقيمة في باريس والتي كانت صديقة رياض سلامة وأنجب منها طفلة في عام 2005، بالإضافة إلى ماريان هوايك مساعدة في المصرف المركزي. ووجه المدعون الفرنسيون اتهامات رسمية بالتآمر الجنائي وتبييض الأموال المنظم وتهمة احتيال ضريبي إلى كل من السيدتين. واتهمت كوساكوفا بمساعدته في تنفيذ مخطط لاستئجار مكاتب لمصرف لبنان في إحدى أغلى الشوارع بباريس بأسعار تفوق سوق العقارات، حيث تم اختلاس 5 ملايين يورو وذهبت إلى جيوبها وجيوب رياض سلامة. واستقبلت أيضا أكثر من 1.5 مليون دولار مباشرة من حسابات "Forry" بدون مبرر، وفق المحققين. وأبلغ محامي كوساكوفا المحققين: "إنها تعترض على جميع الوقائع التي تم اتهامها بها من قبل السلطات الفرنسية". اما هوايك، التي تم توظيفها في مصرف لبنان المركزي كمتدربة في عام 2005 وسرعان ما تقدمت لتصبح رئيسة مكتبه سلامة، فتم اتهامها بمساعدته في تبييض الأموال واستلامها على الأقل 5 ملايين يورو من الأموال المختلسة لصالح "Forry". كما تقول وزارة الخزانة الأميركية إنها ساعدت في غسل "مئات الملايين". وفي جلسة تحقيق بباريس يونيو الماضي، نفت هوايك الاتهامات الموجهة إليها. إلى جانب ذلك، تحقق فرنسا أيضًا في تصرفات رئيس بنك الموارد مروان خيرالدين، إذ يزعم أنه ساعد سلامة وشقيقه في إخفاء أصول أموالهما. وأظهرت تفتيش أجهزة خير الدين من قبل السلطات الفرنسية تفاصيل كثيرة حول مدفوعات سلامة للصحفيين والشخصيات العامة والمحامين وعشيقاته. وفي بيان أصدره، نفى خيرالدين بقوة أنه أو بنك الموارد قاما بأي عمل غير قانوني وقال إن الدفعات المشار إليها كانت تخضع لمتطلبات الامتثال ولم تتعارض مع الأنظمة المصرفية المعمول بها في لبنان. لن يواجه العدالة منذ تنحيه في الشهر الماضي، يتساءل الكثيرون عما إذا كان المحافظ الهارب سيواجه العدالة، بعد 30 عاما في قلب السلطة. ومن المفترض على نطاق واسع أن يبقى رياض سلامة في لبنان لتجنب الاعتقال في الخارج. وهذا الاتفاق يناسب سياسيي لبنان تماما، كما يقول أحد السياسيين الكبار: "طالما أنه يبقى هنا، فلن يخبر عن أسراره والجميع سيبقى سعداء". ويبدو أن الإفلات من العقوبة هو السائد في لبنان وفق ما تقول "فاينانشال تايمز"، خصوصا أن التحقيقات المحلية توقفت بسبب شكاوى بالعرقلة من قبل رعاة سلامة القويين ورفضه التعاون، كما تم مؤخرا إبعاد قاضية بسبب محاولاتها التحقيق مع سلامة ومسؤولين لبنانيين كبار آخرين. "من البداية، فهمنا أنه يجب أن تأتي العدالة من الخارج للهروب من الصمت في لبنان"، كما تقول المحامية الدولية زينا واكيم، والتي قدمت شكاوى ضد سلامة في سويسرا وفرنسا والمملكة المتحدة. بالنسبة لواكيم وغيرها، تكمن جميع الآمال الآن في أوروبا، إذ تقول منظمة "Sherpa" الفرنسية غير الحكومية لمكافحة الفساد، إنها تتوقع أن تبدأ محاكمة سلامة في عام 2024، سواء كان حاضرًا أم لا. وقامت هيئة الرقابة المالية السويسرية بالتحقيق مع 12 بنكًا بخصوص علاقتهم بسلامة، وكذلك نقل 153 مليون دولار من سندات خزانة، وقد قدم البنك المعني تقريرًا للمدعي العام السويسري يشير إلى توجيه تحذيرات بشأن هذه الصفقة. وتشمل التحقيقات أيضا نادي سلامة، ابن رياض سلامة، إذ تزعم الادعاءات الألمانية أنه نقل "أموالًا من مصرف لبنان المركزي" لشراء عقارات، وبالتالي قام بإخفاء تلك الأموال "داخل الدائرة الاقتصادية القانونية في ألمانيا"، بحسب ما كتب قاضي في ميونيخ في أمر مصادرة الأصول عام 2022. وعندما سئل نادي للتعليق، قال إنه لم يتعرض لأي اتهام في أي سلطة قضائية، وأنه لا يعلم أن أي أموال عامة تم استخدامها لاقتناء أصول في ألمانيا. وكشفت المراجعة الجنائية عن أدلة جديدة قادت المحققين، منها مبلغًا آخر قدره 111.3 مليون دولار في "عمولات غير مشروعة" دفعها مصرف لبنان المركزي بين عامي 2015-2020، بعد انتهاء الاتفاق مع شركة "Forry"، لذا يشتبه مصدر قريب من التحقيقات بأن "Forry" "مجرد طرف من قمة جبل جليدي". ومطلع أغسطس الجاري، فرضت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا عقوبات على سلامة للمشاركة "في مجموعة متنوعة من مخططات الثراء الذاتي غير المشروع بمساعدة من أفراد عائلته ومعاونيه القريبين". كما فرضت الولايات المتحدة أيضا عقوبات على رجا ونادي وهوايك وكوساكوفا. ووفق تحقيق صحيفة "فاينانشال تايمز" قد تشدد شبكة التحقيقات الدولية الخناق على سلامة، ولكن في لبنان أستطاع سلامة بإعداد حملة خاصة للحماية، إذ يقول سياسي كبير أنه أخبرهم بأن لديه معلومات على فلاشة "ذاكرة محمولة" خارج البلاد "إذا حدث شيء سيء له".(ترجمات)