منذ 20 يومًا، يعيش سكان قطاع غزّة المُحاصر في ظروف إنسانية صعبة، تحت ويلات القصف الإسرائيليّ المتواصل، فيما تتعالى أصوات في العالم بضرورة وقوف آلة الحرب الإسرائيلية ولو لبعض الوقت، من أجل وصول الإغاثات الإنسانية، لأنّ القطاع مُقبل على كارثة إنسانية.لا شيء يصل إلى القطاع المُحاصر سوى أطنان المُتفجرات التي تتساقط على رؤوس الأبرياء ولا تفرّق بين طفل وشيخ، والقليل من المساعدات الإغاثية عبر منفذ رفح البري، وسط صمت ومباركة غربية.شاحنات معدودة تدخل كل يوم، من خلال معبر رفح المصري، تحمل مساعدات طبية وإنسانية عاجلة، ولكنها ليست كافية كي تنقذ أرواح الأبرياء في غزّة، بحسب متابعين ومنظمات إغاثية.ومع اشتداد الأزمة الإنسانية في قطاع غزّة، أصبحت الحاجة إلى هدنة إنسانية من أجل السماح بوصول المساعدات الإنسانية والإغاثية، ضرورة مُلحّة أكثر من أيّ وقت مضى.وكشفت تقارير إعلامية عن مشاورات أميركية - إسرائيلية لبحث إمكانية وقف موقّت لإطلاق النار في غزّة، من أجل السماح بدخول المساعدات الإنسانية، ولكن يرى محلّلون تحدّثوا لمنصّة "المشهد"، إنّ قرار الموافقة على هدنة إنسانية من جانب إسرائيل، يرتبط بشكل أساسي، بالإرادة الأميركية، لأنها هي من تتحكّم في أوراق الحرب في إسرائيل، وهذه الإرادة لم تتوافر حتى الآن.قرار الهدنة بغزة في يد أميركاوأبدى مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير حسين هريدي، تشكّكه في نيّة إسرائيل بأن يكون هناك هُدنة إنسانية في قطاع غزّة، مُشيرًا إلى أنّ مفاتيح الحلّ في يد الولايات المتحدة الأميركية الآن.وقال هريدي في حديث لمنصة "المشهد"، إنّ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة تُدار الآن من أميركا، وبالتالي فالحديث عن أيّ هدنة إنسانية يجب أن يكون مرتبطًا برغبة أميركية أولًا.وأشار مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، إلى أنّ الأيام الماضية لم يكن مطروحًا فيها الحديث عن هُدنة، ولكن ربما تكون الساعات المُقبلة مُختلفة، لافتًا إلى أنّ حرب إسرائيل على غزّة، ما زالت ممتدّة ولا يستطيع أحد أن يقول متى ستتوقّف.وأكد أنّ واشنطن هي من تملك أوراق اللّعبة في الصراع الحالي، ويجري الحديث عن دخول مساعدات إنسانية من دون هُدنة من القصف الإسرائيلي، وإذا تمّ السماح بهدنة فستكون بشروط إسرائيلية وفي توقيتات وأماكن محدّدة لهذه الهدنة.وحول إمكانية تراجع إسرائيل عن الاجتياح البرّي لغزة، أوضح هريدي أنّ إسرائيل بدأت أمس الاجتياح البرّي، وتقوم كل يوم بعمليات استطلاع ليليّ للأنفاق، لافتًا إلى أنّ الدخول في غزّة بقوّات كبيرة لم يحدث حتّى الآن.لماذا ترفض إسرائيل الهدنة الإنسانية؟من جانبه، رأى المحلل السياسيّ المصري، الدكتور أسامة السعيد، في حديث لمنصة "المشهد"، أنّ إسرائيل لا تريد الموافقة على هُدنة إنسانية لأسباب عدة منها:- إحكام الحصار على قطاع غزّة للضغط على حماس وعناصر المقاومة الفلسطينية الأخرى، من أجل الإفصاح عن مصير الأسرى المحتجزين لدى حماس.- إسرائيل تقوم بعملية عقاب جماعي تجاه الشعب الفلسطينيّ في قطاع غزّة، من أجل خلق رأي عامّ داخلي في القطاع مناهض لحركة حماس.- اتّباع سياسة التّجويع وهي سياسة معروفة وتُستخدم من دول الاحتلال بهدف إضعاف الروح الداخلية للشعوب وإشعارهم بالعجز، وبالتالي يكونوا على استعداد للتعاون والإفصاح عن معلومات في الداخل الفلسطينيّ وخصوصًا في قطاع غزّة.- موافقة إسرائيل على هُدنة معناه إعلان هزيمتها في هذه الحرب، لأنها في بداية الحرب أعلنت بشكل واضح أنها لن تسمح بدخول المساعدات الإنسانية لقطاع غزّة، وسوف تمنع عنه كل وسائل الحياة.وقال السعيد إنّ إسرائيل تتخوّف من أن تؤدي هذه الهدنة الإنسانية إلى رفع الروح المعنوية للشّعب الفلسطيني، وبالتالي يزداد صمودهم داخل القطاع ويفشل مخطّطها الخاص بتهجير سكّان غزّة من أراضيهم.وأشار المحلل السياسي المصري، إلى أنّ إسرائيل ترى أنه رغم المجازر الكبيرة التي ارتكبتها في غزّة، إلا أنها لم تحقّق الهدف من حربها في غزّة حتى الآن، لافتًا إلى أنّ هذا الأمر سيُشكّل ضغط رأي عامّ داخليا في إسرائيل، وستكون هناك مطالبات بمحاسبة ومعاقبة الحكومة الإسرائيلية المتسبّبة في هذه الأزمة.ضرورة وجود ضغط دولي على إسرائيلورأى السعيد أنّ إسرائيل من الممكن أن توافق على هُدنة إنسانية بشرط أن يكون هناك ضغط دوليّ كبير عليها، وهو لم يحدث حتى الآن، مُشيرًا إلى أنّ خطابات زعماء الغرب وأميركا لم تتخطَّ المطالبات بضرورة فتح ممرّات إنسانية في غزّة.وأكد المحلّل السياسيّ المصري، ضرورة أنّ يكون هناك ضغط دوليّ على إسرائيل من أجل الموافقة على الهدنة، متابعًا:" الخطاب الغربيّ بدأ يتغيّر قليلًا عما كان عليه في بداية الحرب في غزّة، وأصبح الحديث عن ضرورة فتح ممرات إنسانية للشعب الفلسطيني يسير جنبًا إلى جنب مع الحديث عن حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها".وأضاف أنّ هذا التحوّل في الخطاب الغربيّ يرجع إلى نجاح الدبلوماسية العربية وبالأخص مصر، في جعل فتح ممرات إنسانية للفلسطينيّين على رأس الخطاب الغربي.وأشار إلى أنّ مصر منذ بداية الأزمة ربطت وصول المساعدات إلى غزّة بالسّماح للأجانب المقيمين في قطاع غزّة بالخروج من معبر رفح البرّي، لافتًا إلى أنّ التقارير الدولية الآن أصبحت تتحدّث عن أوضاع إنسانية صعبة يعيشها سكان غزّة، وهو ما سيضع قادة الغرب في حرَج لأنهم بذلك سيكونون مشاركين في الكارثة الإنسانية التي ستحدث في غزّة.(المشهد)