في الأسابيع الأخيرة، شنّت إسرائيل غارات جوية عدة على سوريا، مستهدفة مسؤولين عسكريين إيرانيين يتبعون للحرس الثوري الإيراني في العاصمة دمشق.ويتعرّض "الحرس الثوري" لواحدة من أكثر الفترات صعوبة في سوريا منذ وصوله قبل عقد من الزمن أثناء الحرب الأهلية. وفي مطلع فبراير الحالي، أكدت مصادر مطلعة أنّ الحرس الثوريّ الإيرانيّ قلّص نشر كبار ضباطه في سوريا بسبب سلسلة من الضربات الإسرائيلية المميتة، وسيعتمد أكثر على فصائل شيعية متحالفة مع طهران للحفاظ على نفوذه هناك. وفي 20 يناير الماضي، قُتل 5 من أفراد "الحرس الثوري" حسبما ذكرت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية، بما في ذلك جنرال كان يدير الاستخبارات لفيلق القدس، المسؤول عن عمليات الحرس الثوري في الخارج. وفي حادث آخر، في 25 ديسمبر 2023 خارج دمشق، قُتل أحد كبار مستشاري الحرس الثوري المسؤول عن التنسيق بين سوريا وإيران. "سوريا لا تُضحّي بأصدقائها"وقالت 3 مصادر لوكالة "رويترز" إن "الحرس الثوري" أعرب عن مخاوفه للنظام السوري، من أن "تسرّب المعلومات من داخل قوات الأمن السورية لعب دورا في الضربات القاتلة الأخيرة". وقال مصدر آخر مطّلع على العمليات الإيرانية في سوريا، إن الضربات الإسرائيلية الدقيقة دفعت الحرس الثوري إلى "نقل مواقع العمليات ومساكن الضباط، وسط مخاوف من حدوث خرق استخباراتي". وفي هذا السياق، نفى الباحث السياسي المختص بالشأن السوري غسان يوسف دقة التقارير، مؤكدا في حديثه لمنصة "المشهد" أنه "لا يمكن لسوريا أن تضحي بأصدقائها وبالذين حاربوا معها تنظيم داعش والقاعدة". وأضاف أنه إذا كانت هذه التقارير قد سُرّبت إلى العلن، فلا يمكن أن تكون صحيحة أبدا. وأوضح يوسف أن من أطلق هذه الشائعات يريد أن يُحدث وقيعة بين سوريا وإيران باعتبار أن الدولتين تحاربان "داعش". وتابع قائلا "من جهة أخرى، أعتقد أن إسرائيل لديها عملاء وجواسيس وأقمار صناعية، أي أنها تملك أقمارا صناعية وضعتها فوق سوريا وإيران". وأكد أن الإسرائيليين يقولون إنهم يحصلون على 80% من معلومات التجسس في سوريا وإيران عبر الأقمار الصناعية، والنسبة الباقية من خلال عملائها في المنطقة. واعتبر الباحث أن "التشكيك بالدولة السورية غير مقبول"، مبينا أن سوريا لم تعتد "التضحية بأصدقائها".امتعاض في دمشقإلا أن الباحث الإستراتيجي والمحلل السياسي الدكتور منذر الحوارات، يرى غير ذلك، ويؤكد أن هناك عملية تغيير حصلت في الفترة الأخيرة زادت من العناصر الولائية لإيران في محيط الحكومة السورية. وأضاف الحوارات في تصريح لمنصة "المشهد" أن هنالك جهات في سوريا "ممتعضة"من هذا التغيير. وأكد أن "خريطة توزّع المليشيات في سوريا لم تعد تبقي لدمشق أي نفوذ حقيقي سوى في مناطق ضيقة جدا ومحدودة". وقال الحوارات إن هنالك مناطق في دمشق يُحظر على الحكومة السورية دخولها مثل منطقة السيدة زينب. وشدد على أن هناك امتعاضا متبادلا، ولكن إيران تفرض نفسها بقوة ميليشياتها المتمركزة على الأرض.وأوضح الحوارات "بعد الضربة الأخيرة لبرج 22، انسحبت العناصر الإيرانية لأنها لا تريد أن تشتبك مباشرة مع الولايات المتحدة، وتريد أن تُبقي الاشتباك فقط للعناصر الميليشياوية التي تُؤتمر بوساطتها ولكن بدون وجود عناصر الحرس الثوري أو فيلق القدس فقط. تقتصر على العناصر المحلية أو القادمة من الدول الأخرى". وأكد الخبير الإستراتيجي أن هناك تخوّفا من إمكانية أن تقوم سوريا بتسريب معلومات عنهم.انعدام ثقة وأضاف الحوارات "النقاش الآن أو المماحكة الدائرة بين المواقع الإيرانية والمواقع السورية تدور على أن عدم الثقة بات عاليا بينهما"، لافتا إلى أن "المتتبع لبعض المواقع الإعلامية في إيران وفي سوريا يجد أن هناك مناوشات كلامية بين الطرفين كما بدأ يرتفع منسوب عدم الثقة ويزداد الامتعاض المتبادل". ويرى الباحث أن المصلحة الإستراتيجية بين سوريا وإيران تبقى حاضرة وقوية ومن الصعب زعزعتها، حتى لو كان هناك اختراقات أمنية من هنا أو هناك، لأن إيران متجذرة في سوريا بشكل كبير ولديها مواقعها في قلب دمشق ولديها أدوات مهيمنة. وشدّد "باعتقادي ليس من السهل حقيقة على سوريا بدون مساعدة دولية أن تتخلص من العناصر الإيرانية الموجودة فيها". وقال الحوارات إن الحكومة السورية "ربما تجد بارقة أمل فيما تقوم به الولايات المتحدة من غارات على مواقع الميليشيات الموجودة في دمشق". وتوقّع أن "دمشق تريد التخلص من القيود التي تكبلها، خصوصا وأن أهم قيد في هذه الحقبة هو القيد الإيراني والميليشياوي الذي يتوزع في سوريا مثل الخلايا التي تسيطر على كل شيء".(المشهد)