من المتوقع أن تكون مصافحة سريعة أو لقاءً وجيزًا، هي النتيجة الأرجح للمحادثات الدبلوماسية الأولية التي ستُعقد اليوم السبت بين مسؤولين أميركيين وإيرانيين، وفقًا لما نقلته صحيفة "نيويورك تايمز". ورغم بساطتها، فإنّ مثل هذه الإشارة قد تكفي لإبقاء باب الحوار مفتوحًا، وربما تمهد الطريق لأول مفاوضات مباشرة بين البلدين، منذ انسحاب الرئيس السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي قبل 7 سنوات.وستُعقد هذه المحادثات في العاصمة العُمانية مسقط، وتُعدّ بمثابة جلسة استكشافية تهدف إلى تقييم ما إذا كان من الممكن الانتقال نحو مفاوضات شاملة للحد من البرنامج النووي الإيراني. يأتي ذلك وسط مستوى عالٍ من انعدام الثقة بين الطرفين، خصوصًا بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي لعام 2015 وفرض عقوبات اقتصادية قاسية على طهران خلال ولاية ترامب. وفي محاولة لاستئناف التفاوض، يسعى ترامب اليوم إلى التوصل إلى اتفاق جديد يمكن أن يُبرز قدراته التفاوضية ويمنع في الوقت ذاته تصعيد التوتر بين إيران وإسرائيل إلى صراع أوسع قد يهدد استقرار الشرق الأوسط. وكتب وزير الخارجية الإيرانية، عباس عراقجي، في مقال بصحيفة "واشنطن بوست"، أنّ طهران "متشككة، لكنها مستعدة للانخراط الجاد بهدف التوصل إلى اتفاق".أهداف محدودة وجدول زمني غامضتهدف محادثات السبت إلى الاتفاق على إطار عام وجدول زمني للمفاوضات، بحسب الصحيفة، لكن من غير الواضح ما إذا كانت ستُجرى بشكل مباشر، كما يرغب ترامب، أو عبر وسطاء عُمانيين ينقلون الرسائل بين الجانبين، كما ألمح المسؤولون الإيرانيون.مصادر إيرانية رفيعة فضّلت عدم الكشف عن هويتها، أشارت للصحيفة، إلى أنّ الوفد الإيراني مستعد لمناقشة خفض مستويات تخصيب اليورانيوم والسماح بمراقبة دولية محدودة، لكنه غير منفتح على تفكيك كامل للبرنامج النووي، وهو مطلب أساسي لإدارة ترامب.ويرى الخبراء أنّ مجرد لقاء رمزي أو مصافحة قد تُستخدم لإرسال إشارة إيجابية من الطرفين من دون الخوض في مفاوضات فعلية. وقد قال ترامب تعليقًا على ذلك: "عندما تبدأ المحادثات، تعرف من البداية ما إذا كانت تسير بشكل جيد أم لا... وسأتخذ القرار بناءً على شعوري فقط".الخلاف بين الطرفين يتمحور حول الاتفاق النووي المعروف بخطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، والذي أُبرم في عهد الرئيس باراك أوباما عام 2015، بعد مفاوضات تقنية شاقة. وقد منح الاتفاق إيران تخفيفًا للعقوبات الدولية مقابل فرض قيود صارمة على برنامجها النووي، لكنه تعرّض لضربة كبيرة بعد انسحاب ترامب منه عام 2018.ووفقًا للتقارير، فإنّ إيران زادت من تخصيب اليورانيوم بمستويات تتجاوز الاحتياجات المدنية، وهو ما دفع بعض الخبراء إلى القول إنها قد تكون على بعد خطوات قليلة من إنتاج سلاح نووي. ويثير هذا التطور قلقًا إسرائيليًا عميقًا، حيث صرّح رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو مؤخرًا بأنّ "الاتفاق مقبول فقط إذا تم تدمير المواقع النووية الإيرانية تحت إشراف أميركي، وإلا فإنّ الخيار العسكري هو البديل الوحيد".من جانبها، تؤكد طهران أنّ برنامجها النووي مدني بالكامل، وموجّه نحو إنتاج الطاقة والأغراض الطبية، وتنفي نيتها في تصنيع أسلحة نووية.بين الدبلوماسية والضغط العسكريوفي سياق الترتيبات، يصل المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف إلى عُمان قادمًا من سانت بطرسبرغ، حيث أجرى مباحثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن وقف محتمل لإطلاق النار في أوكرانيا. لكن وفقًا لصحيفة "نيويورك تايمز"، فإنّ ويتكوف لا يمتلك خبرة تقنية كبيرة في ملف إيران النووي.ويُتوقع أن تستخدم إيران هذه المحادثات كورقة لإطالة أمد التفاوض، سواء لتأجيل أيّ تحرك عسكري إسرائيلي، أو لتجاوز الموعد الحاسم في 18 أكتوبر، حيث تنتهي القيود الأممية على إعادة فرض العقوبات تلقائيًا.وقال إليوت أبرامز، المبعوث الأميركي السابق إلى إيران: "لدى إيران فرصة لربط إسرائيل والولايات المتحدة بعقدة تفاوضية معقدة، تُقنع فيها الطرفين بأنّ المفاوضات قد تؤتي ثمارًا".وأضاف: "الاتفاق ممكن تقنيًا خلال فترة قصيرة، لكنه سيكون أقل بكثير مما نص عليه اتفاق 2015، ما سيغضب إسرائيل".ويرى مراقبون أنّ ترامب لن يرضى باتفاق يُقارن بما أبرمه أسلافه، إذ لطالما طالب بتضمين قيود على برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني ونفوذ طهران الإقليمي في العراق ولبنان واليمن.هل تتجه المنطقة إلى حرب جديدة؟رغم التصعيد، يبدو أنّ ترامب لا يرغب في خوض حرب جديدة في الشرق الأوسط، وفقًا لما قالته دانا سترول، المسؤولة السابقة في البنتاغون عن سياسات الشرق الأوسط في إدارة بايدن، والتي أشارت إلى أنّ ترامب يحاول، مثل أسلافه، اختبار المسار الدبلوماسي أولًا.وبحسب الصحيفة، فإنّ ترامب يخطط لزيارة عدد من الدول العربية بينها السعودية الشهر المقبل، في جولة تهدف إلى تهدئة التوترات وكسب دعم الحلفاء الإقليميين. وقد أكد قائلًا: "إذا تطلّب الأمر تدخلًا عسكريًا، فلدينا جيش قوي. لكن من الواضح أن إسرائيل ستكون في طليعة هذا التحرك".أما إيران، فلم تُخفِ استعدادها للتصعيد إذا فشلت الدبلوماسية. وكتب عباس عراقجي في مقاله: "إيران تفضّل الحوار، لكنها تعرف كيف تدافع عن نفسها. نحن نسعى إلى السلام، لكننا لن نقبل الخضوع أبدًا."(ترجمات)