عندما حلق منطاد تجسس صيني فوق الولايات المتحدة في فبراير الماضي، حاول وزير الدفاع الأميركي بسرعة الاتصال بنظرائه في بكين.ومع ذلك لم يكن هناك رد على الإطلاق على اتصالات البنتاغون لساعات عدة، ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتجاهل فيها العسكريون وصناع السياسة الصينيون اتصالات الخط الساخن الأميركية أثناء توتر متفاقم، ولكنها كانت فقط الجزء الأخير من نمط تصرف خطير ينطوي على خطر تدهور العلاقات الصينية الأميركية، حسبما يقول المدرس المساعد بجامعة وارويك البريطانية الباحث رونان مينبرايز. وفي تقرير نشرته مجلة "ناشونال إنتريست" الأميركية، يرى مينبرايز المرشح للحصول على درجة الدكتوراه، حيث تتركز أبحاثه على الاستخبارات، والسياسة الخارجية الأميركية، والأمن الدولي أن أي خط ساخن هو مجرد جزء صغير من الذخيرة الدبلوماسية لأي دولة، لكنه يمكن أن يكون الأكثر أهمية في أوقات الأزمات.وتتيح الخطوط الساخنة لصناع السياسات التحدث بسرعة وبصورة مباشرة مع كل منهم الآخر، وبناء الثقة الشخصية بين رؤساء الدول وهم يتباحثون حول بؤر التوتر بصورة ثنائية. كما أن هذه الخطوط مهمة للغاية في توفير التفاصيل والتوضيح والتفسيرات، وبالتالي تعزز التفاهم وتساعد في تجنب المفاهيم الخاطئة العرضية إزاء نوايا الطرف الآخر.وباختصار، فإنها يمكن أن تكون عنصرا أساسيا لإدارة المخاطر، وتجنب التصعيد، والحفاظ على الأمن الدولي، وفق مينبرايز.وأضاف أنه في الحقيقة، يؤكد تاريخ دبلوماسية الحرب الباردة مدى أهمية الخطوط الساخنة.فبعد الدراما الخطيرة لأزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، والتي شهدت استغراق الرسائل ساعات لتصل إلى متلقيها، دشنت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي بتعقّل رابط خط ساخن لنقل الرسائل المكتوبة بسرعة بين عاصمتي الدولتين، وفق منبرايز.ولم يستطع الخط الساخن بين واشنطن وموسكو استئصال التوترات المستقبلية لكنه كان كابحا أساسيا للحيلولة دون تصدع العلاقات، وعبر العقود الثلاثة التالية، أثبت أهميته مرات عدة. ففي أثناء حرب الأيام الستة في يونيو 1967، كانت واشنطن وموسكو تتبادلان الرسائل عبر الخط الساخن مع تطور القتال في الشرق الأوسط، بحسب مينبرايز.وأضاف أن الرسائل تضمنت تطمينات من جانب السوفيات بأنهم يحاولون حل النزاع دبلوماسيا، وتوضيح إدارة جونسون بشأن مناورات الأسطول السادس.وعندما اندلع القتال في المنطقة بعد سنوات قليلة أثناء حرب يوم الغفران عام 1973، أظهر الخط الساخن مرة أخرى أهميته، كما فعل خلال العديد من توترات الحرب الباردة الأخرى في العالم.ويقول مينبرايز إنه "يتعين علينا في الأزمات الدولية اعتبار الخطوط الساخنة روابط دائمة لا يمكن الاستغناء عنها بين الدول المتناخرة، وليست مجرد مخلفات لا لزوم لها من بقايا حقبة الحرب الباردة المنتهية".أهمية الخط الساخنوتوضح مناقشات الخط الساخن الماضية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي أنه من المهم الحفاظ على الاتصال بين بكين وواشنطن في الوقت الحالي. وأوضح مينبرايز أن الخطوط الساخنة متوفرة بين الولايات المتحدة والصين على المستويات التنفيذية والعسكرية.ونظرا لخبرة الإدارات الأميركية المختلفة الطويلة في القرن الـ20، فإنها تعتبر الخطوط الساخنة عنصرا دبلوماسيا حيويا وتلجأ لاستخدامها أثناء الأزمات المعاصرة، سواء مع الصين أو غيرها من الدول المنافسة استراتيجيا.وعلى الرغم من أن قيادة الحزب الشيوعي الصيني أبدت حتى الآن تجنبها لأي تصعيد مع الولايات المتحدة، فإنها في كثير من الأحيان لم ترد على الاتصالات الهاتفية خلال العقود القليلة الماضية.فقد تجاهلت بكين المحاولات الأميركية للاتصال أثناء مذبحة تيانانمن عام 1989، وأجرت إدارة بوش 12 اتصالا أثناء حادث جزيرة هاينان عام 2001، لم ترد الصين على أي منها.وقد يحدث نفس الشيء أثناء أحداث أخرى، وقد رفض شي جين بينغ وغيره من صانعي السياسة الصينيين اقتراحات بالنسبة لإجراء مناقشات أكثر حيوية عبر الخط الساخن. وأشار المحللون إلى أن المسؤولين الصينيين تساورهم الشكوك حول سبب رغبة القادة الأميركيين في استخدام الخطوط الساخنة، ويعتبرونها مجرد وسيلة من جانب الولايات المتحدة لتضفي خلسة وضعا طبيعيا على عمليات لها في منطقة المحيطين الهندي والهادىء.والأمر الأكثر خطورة، هو أنهم يعتقدون أنه يمكنهم تحقيق ميزة استراتيجية من وراء تجنب مناقشات الخط الساخن والغموض الذي يمكن أن يخلقه ذلك.حوار فعّالولكن بغض النظر عن الاختلافات في الرأي، توضح الحرب الباردة أن إدارة الأزمات بصورة ثنائية ما زالت أمرا أساسيا.ويقول مينبرايز إنه في ظل استمرار تزايد القلق بشأن مصير تايوان وبحر الصين الجنوبي، يتعين على الولايات المتحدة أن تواصل الضغط على قيادة الحزب الشيوعي لزيادة سرعة الرد على الاتصالات الهاتفية.وينبغي أن يكون من المهم بالنسبة للسياسة الخارجية الأميركية الآن إقامة حوار أكثر فعالية عبر الخط الساخن مع بكين، كما يتعين على المسؤولين الأميركيين توضيح أن الغموض الذي يسعى القادة الصينيون لتحقيقه أثناء أي أزمة أمر خطير. وفي ختام تقريره قال مينبرايز إنه في ظل تزايد آليات الذكاء الاصطناعي وانتشار المعلومات المضللة، أصبح من المحتمل للغاية حدوث سوء تفسير بشأن تحركات بحرية أو حوادث تجسس معينة.ومن الممكن أن يؤدى الافتقار للاتصالات إلى انزلاق خطير نحو مواجهة عسكرية أو نووية، وفي مناخ جغرافي سياسي بدأت فيه التهديدات الذرية تتكرر مرة أخرى، ستجد بكين وواشنطن أن التحدث معا هو أفضل حل.(د ب أ)