"لبيك إنا منهكون، لبيك إنا مظلومون"، هذا هو لسان حال الغزيين المعقبين على حرمانهم من السفر لأداء فريضة الحج في الديار الحجازية، أحلامهم تبددت، وآمالهم تبخرت بعد انتظار طويل، فأحوالهم وظروفهم المعيشية انقلبت رأساً على عقب، وتبدلت من سيئ إلى أسوأ، بفعل الحرب الإسرائيلية، وضراوة الدك العسكري الدموي في أرجاء قطاع غزة، المستعر للشهر التاسع توالياً، مخلفاً آلاف الضحايا والجرحى، ودماراً فظيعاً في البنية التحتية، يماثل أكثر الحملات تدميراً في التاريخ الحديث.وبالعودة للعام الماضي تمكن قرابة 2921 غزياً من السفر لأداء فريضة الحج، لكن أهالي قطاع غزة الذين ينتظرون دورهم بفارغ الصبرمنذ سنوات، تسببت الحرب الإسرائيلية، وإغلاق معبر رفح البري، بالحيلولة دون بلوغهم موسم الحج، حتى أن الحرب أتت على 80% من مقار شركات الحج والعمرة كما دمرت إسرائيل كافة المؤسسات الحكومية ذات الاختصاص بترتيب أمور الحج، من بينها وزارة الأوقاف الدينية. وبات الأهالي يئنون تحت وطأة الحرب، معظمهم ضحايا، وجرحى، وأسرى، ونازحون محرومون من الشعيرة الدينية، الذين يأملون أن تكون قضيتهم حاضرة في وجدان حجاج بيت الله الحرام، ولأول مرة منذ سنوات طويلة سيقف الحجاج على صعيد عرفات دون حجاج قطاع غزة. من جانبه، صرح وزير الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطيني، الشيخ محمد نجم لمنصة "المشهد"، أنه "بفعل ظروف الحرب الإسرائيلية المندلعة في قطاع غزة، وقيام السلطات الإسرائيلية بإغلاق المعابر الحدودية وأبرزها معبر رفح وحصار غزة بشكل كامل، بالإضافة إلى عدم تمكن اللجان المختصة من قبل وزارة الأوقاف من العمل والترتيب للحج في الأوقات المحدودة، لتجهيز أمور وحيثيات سفر أفواج الحجاج من قطاع غزة للديار الحجازية، حُرم أهالي غزة من الخروج والسفر لتأدية فريضة الحج، نتيجة الحرب المستمرة وتعطيلها لكافة المناحي الحياتية في القطاع" مكة بلا حجاج غزة على الرغم من أن الحرب والنزوح، فاقمت الهموم على الغزيين، فإن حجاج غزة ممن تم اختيارهم سابقاً للخروج هذا العام، عاشوا على أمل وقف الحرب، وتحسن الظروف، لأداء مناسك الحج، لكن ذلك لم يحدث... "بينما تتجهز طلائع الحجاج لارتداء ملابس الإحرام، نلبس نحن أبناء غزة الأكفان"، بكثير من الدموع وغصة لا تفارق أم بلال 63 عاماً، التي قاست أوجاع لا تتحملها الجبال، بهذه الكمات عبرت عن حسرتها بحرمانها وزوجها من أداء الحج لهذا العام، وتؤكد أن الحرب منعت بينهما وبين بيت الله الحرام. وقالت لمنصة "المشهد"، حيث تقيم في خيمتها بمنطقة المواصي خانيونس، "منذ سنوات طويلة ونحن ندخر المال من أجل هذه اللحظة، رحلة العمر وننتظر بلهفة، قمت بمضاعفة العمل والاجتهاد والتجهيز للحج، لكن إرادة الله فوق كل شيء، ارتقى زوجي أبو بلال قبل أربعة أشهر، خسرت بيتي، وعدداً كبيراً من أفراد عائلتي، وأعيش الآن في خيمة برفح، كانت أقصى طموحاتنا أن نحج سوياً، أشعر بأن الحياة توقفت وباتت بلا معنى".ويظهر الحاج السبعيني محمود جودة شدة ألمه لمنصة "المشهد" بسبب فقدانه فرصة أداء مناسك الحج، ويكاد الحزن يعتصر صوته قائلاً: "خسرنا منازلنا، وأبناءنا، وأحفادنا، وكل ما نملك في هذه الحرب الظالمة، لكن أن أحرم أنا وزوجتي من فريضة الحج، فهذا العذاب الأكبر" وأضاف جودة "تحويشة العمر ذهبت أدراج الرياح مع الدمار والنزوح الذي نحياه، لا أعتقد بأني سأتمكن من جمع الأموال مرة ثانية مع قتامة الأوضاع الاقتصادية والحرب". وبعبارات ملتهبة أبدى بشار الريس غضبه لمنصة "المشهد"، حيث استذكر استعدادات الغزيين للحج العام الماضي، وما رافقها من بهجة عند وداعهم، وطقوس مميزة لدى عودتهم، مضيفاً "هذا العام، فإن أهالي غزة يعانون الأمرين بفعل الحرب، وتناثرت أحلامهم بزيارة بيت الله الحرام، وباتوا محاصرين يبحثون عن لقمة تسد الرمق وشربة ماء". لفتة إنسانية، واستضافة استثنائية، بلسماً وتخفيفاً لآلام الفلسطينيين، أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، أمره باستضافة 1000 حاج من ذوي الضحايا والمصابين من أهالي قطاع غزة، ليصل إجمالي عدد المستضافين من فلسطين إلى 2000 حاج، امتداداً لمساعي المملكة وحرصها الدائم على نصرة الفلسطينيين، في خطوة ثمنها الفلسطينيون حكومة وشعباً. حج في كبد.. من الضفة للبيت الحرامذكرت وزارة الأوقاف الفلسطينية، أن أعداد الحجاج الفلسطينيين، وصلت إلى 4500، من ضمنهم الإداريون ومختلفة البعثات المرافقة، ويستخدم حجاج الضفة الغربية جوازات سفر فلسطينية أو أردنية، ويمرون بالجسر البري (السلطة الفلسطينية ومن ثم الجسر الإسرائيلي) إلى نقطة العبور الأردنية، ومنها إلى (مدينة الحجاج)، ويسافرون منها براً أو جواً إلى الأراضي السعودية، أما حجاج غزة يسافرون سنوياً عبر معبر رفح، ومنه إلى مطار القاهرة الدولي حيث يطيرون إلى السعودية. لم يكن أداء فريضة الحج سهلاً على سكان القدس والضفة الغربية في يوم من الأيام، فدائماً يصطدمون بالعوائق أمام خروجهم، ويكابدون فصولاً مستمرة من المعاناة، بفعل الحواجز الإسرائيلية التي تقطع أوصال البلدات، والرحلة المحفوفة بالصعوبات والتعقيدات، إلا أنهم يتحدونها للوصول إلى بيت الله الحرام. تتواجد أم ثائر في الديار الحجازية لأداء مناسك الحج، وحدثت منصة "المشهد" حول السفر المضني من مدينة جنين بالضفة الغربية مروراً بالأردن ثم المملكة العربية السعودية، "منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة، ونحن نعاني من الاقتحامات والمواجهات مع القوات الإسرائيلية، لا يوجد أمان، والطرق باتت خطيرة بفعل هجمات المستوطنين، ورغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي نعايشها بفعل انعكاسات الحرب علينا، وكذلك الإغلاقات والحواجز الإسرائيلية، والتفتيش المذل على الجسر الإسرائيلي قبيل عبور النقطة الأردنية، إلا أنني تمكنت وزوجي من القدوم لأداء فريضة الحج، لأنها فرصة العمر، وندعوا لأهلنا في غزة العدل وأن تتوقف الحرب في القريب العاجل، لن ننساهم من دعواتنا في أطهر بقاع الأرض". (المشهد - القدس)