في البداية كانت النشوة، ثم جاءت المحاسبة. فقد بدأت حملة عالمية لتعقب أتباع بشار الأسد الذين نفذوا حكمه في سوريا وبدء عملية العدالة التي وصفها أحد محققي جرائم الحرب بأنها "أكبر من نورمبرغ".وفي حين نجح داعموهم الروس في تهريب الأسد وزوجته وأولاده إلى مكان آمن في موسكو، يُعتقد أن آلاف الضباط في أجهزته العسكرية والأمنية يحاولون الفرار لإنقاذ حياتهم.والمفتاح لتقديمهم إلى العدالة هو كومة من الصناديق الكرتونية البنية خلف باب مغلق في مكتب بلا اسم في مدينة أوروبية. قد تبدو هذه الصناديق غير ضارة ولكن داخل هذه الصناديق الـ406 يوجد أكثر من 1.3 مليون وثيقة يمكن أن تضع الأسد وأتباعه خلف القضبان مدى الحياة، وفق صحيفة "تايمز" البريطانية.تم تجميع أرشيف الأسد على مدى السنوات الـ13 الماضية من قبل المحامي الكندي ومحقق جرائم الحرب بيل ويلي، 61 عامًا، وفريقه من السوريين على الأرض الذين خاضوا مخاطر مذهلة لجمع الأدلة وتهريبها متنكرين في زي رعاة وتجار، باستخدام كل شيء من الشاحنات إلى الطوافات، نقلوا خزائن ملفات كاملة من الأوراق عبر نقاط التفتيش.ودفع أحدهم حياته ثمنًا لهذا فتم قتله من قبل النظام، بينما أصيب آخر واختطف آخر من قبل جماعة مسلحة. كان لا بدّ من إخراج العديد منهم خارج البلاد إلى بر الأمان. وكان لا بدّ من ترك بعض الأوراق في أماكن مخفية حيث كان نقلها أمرًا خطيرًا للغاية، بحسب الصحيفة.القمع الأكثر توثيقا في التاريخوعلى الرغم من المخاطر، فقد تم إخراج مئات الكيلوغرامات من الصناديق التي تحوي وثائق سرية ليتم مسحها رقميًا وتحليلها من قبل وايلي وهو يعمل بلجنة العدالة والمساءلة الدولية (CIJA)، الممولة من الحكومات البريطانية والألمانية والأميركية. وقال وايلي للصحيفة: "هذا هو القمع الأكثر توثيقًا في التاريخ. مثل النازيين ولكن باستخدام أجهزة الكمبيوتر".يقال إن والد الأسد، حافظ، الذي حكم من عام 1970 إلى عام 2000، كان يتلقى المشورة في أساليب التعذيب من النازي السابق ألويس برونر، الذي لجأ إلى دمشق بعد أن عمل نائبًا للمهندس المعماري للهولوكوست أدولف آيخمان. ويمكن رؤية الصناديق في الغرفة التي تحوي خرائط وأوراق. العديد منها محفور عليها شعار النظام السوري أو موقعة من قبل الأسد وغيره من كبار المسؤولين.وتقدر الأمم المتحدة أنه منذ عام 2011، فقد أكثر من 300 ألف مدني حياتهم واختفى ما لا يقل عن 100 ألف سوري قسراً.وقال محمد العبد الله، وهو سجين سابق أسس مركز العدالة والمساءلة السوري في واشنطن، والذي يجمع أيضًا الأدلة "كانت آلة قتل بيروقراطية. كان قتل هؤلاء الناس عملاً بيروقراطيًا يوميًا".إستراتيجيات سحق المعارضةفي أغسطس 2013، نجح مصور عسكري سوري يُدعى "قيصر" في تهريب نحو 55 ألف صورة. وقد قام فريقه بتصوير جثث المعتقلين وأحياناً ما يصل إلى 50 جثة يومياً التي تم تسليمها إلى المستشفيات العسكرية من قِبَل أجهزة الأمن.وكان لكل جثة رقم فريد من 4 أرقام مكتوباً على شريط لاصق أو على الجبهة بقلم تحديد سميك. وكان رقم آخر يشير إلى فرع الاستخبارات الذي قُتل فيه الفرد. وقد تعرض العديد من الضحايا للضرب والتشويه والحرق وإطلاق النار، وفي بعض الحالات حتى "التعرض للتذويب". وفي الأسبوع الماضي، كُشِف النقاب عن أسامة عثمان، وهو مهندس مدني، باعتباره الرجل الشجاع الذي أخرج صور قيصر.ومن بين الوثائق محاضر اجتماعات خلية إدارة الأزمة المركزية، التي أنشأها الأسد في مارس 2011 للتعامل مع الانتفاضة الشعبية.وكانت هذه الخلية تجتمع كل ليلة تقريبا وتناقش إستراتيجيات سحق المعارضة. وطلبت الخلية تقارير من لجان الأمن ووكلاء الاستخبارات في كل محافظة. وتظهر الوثائق الموجودة في المخبأ هذه التقارير الواردة والقرارات المتخذة والأوامر الصادرة، ثم تقارير عن نجاح القمع.وبحسب التقرير، كانت المحاضر تُنقل إلى مكتب الأسد الشخصي وكان كاتب ينتظر بينما يراجعها وكنا نرى في الهوامش أوامر الأسد "افعل هذا، افعل هذا، لا تفعل هذا".تم استخدام وثائق CIJA بالفعل في 13 قضية في جميع أنحاء العالم ضد مسؤولين في النظام، بعضهم غيابيًا، بما في ذلك محاكمة في الولايات المتحدة وجدت نظام الأسد مذنبًا باستهداف مراسلة صحيفة "صنداي تايمز" ماري كولفين عمدًا، والتي قُتلت في حمص عام 2012.وعلى الرغم من أن الأسد قد حصل على ملاذ في موسكو، إلى جانب عملاء سابقين آخرين مثل الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش، إلا أن وايلي مقتنع بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيسلمه في غضون 3 سنوات. يتسابق وايلي وفريقه لتأمين الوثائق على الأرض والتي يمكن أن توفر أدلة حيوية. وقال: "هذا وضع نادر للغاية إنه مثل ألمانيا في عام 1945، والعراق في عام 2003 وربما وسط وشرق أوروبا في عامي 1990 و1991 حيث يمكنك جمع المواد المصدرية الأولية".وأضاف "ما لدينا بالفعل ربما يكون مجرد قطرة في المحيط.. هناك على الأرجح 100 مليون ورقة".(ترجمات)