مؤخرا، أكد الرئيس الأميركي جو بايدن أن واشنطن لها القدرة في التعامل مع المتطرفين الذين ينفذون اعتداءات على المدنيين في الضفة الغربية، داعيا لتوحيد الضفة الغربية وقطاع غزة تحت قيادة سلطة فلسطينية واحدة ومتجددة.وطالب في مقال نشره في صحيفة "واشنطن بوست" الحكومة الإسرائيلية لوقف عنف المتطرفين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية ومحاسبة مرتكبي أعمال العنف، لافتا إلى أن الصراعات حول أوكرانيا وإسرائيل ستتحول إلى تقدّم للولايات المتحدة. وكان مسؤولون أميركيون أكدوا في وقت سابق أن إدارة بايدن على خلاف متزايد مع حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بشأن كيفية قيامها بهجومها العسكري على حركة "حماس" في غزة، وكيف يتصور البلدان المستقبل السياسي للقطاع، على الرغم من الدعم غير مسبوق عسكريا وسياسيا لتل أبيب.سخرية روسية من بايدنتصريحات الرئيس الأميركي أثارت سخرية في موسكو، حيث علّقت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن "هذا هو الواقع الذي لا بد فيه ليس من انتظار تحليل المقالة، بل تحاليل صاحبها". وأضافت: "لقد قرأت مقالة بايدن حول كيف ستؤدي النزاعات في أوكرانيا والشرق الأوسط إلى تقدم كبير". وتابعت زاخاروفا: "في مثل هذه الحالات، لا يرغب المرء في الاطلاع على تحليل المقالة، بل على نتائج تحاليل كاتب المقالة نفسه. هذه مجموعة سخيفة من اللغط". ولم تقف تصريحات بايدن عند وزارة الخارجية الروسية، بل انتقدها أيضا نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري مدفيديف الذي أكد أن المآسي الكبرى التي يمكن أن تؤدي إلى التقدم هي جوهر العقيدة الأمنية الأميركية. وأضاف الرئيس الروسي السابق: "أن هذا ليس حتى زلة فرويدية أو هذيان خرف غامض. بل هذا هو جوهر العقيدة الأمنية الأميركية.. الحروب الدائرة في قارات أخرى تجعل الولايات المتحدة أكثر أمنا". إلا أن الرئيس الأميركي جدّد تأكيده على رفضه التهجير القسري للمدنيين من قطاع غزة، على الرغم من أن واشنطن منحت تل أبيب الضوء الأخضر في حربها على غزة. وخلال تعليقه على تصريح بايدن بأن دعم أوكرانيا هو استثمار في أمن الولايات المتحدة، أشار مدفيديف بأن المال والدماء هي "استثمارات جيدة" وهو تصرف وفق الطريقة الأميركية بشكل تام. وأضاف ساخرا: "تصفيق من الجمهور. بايدن ينظر حوله. يمد يده إلى الفراغ، باحثا عن مخرج. بعد ذلك الستارة تغلق المسرح". إدارة حرب أميركية الخبير العسكري والاستراتيجي غازي الطيب أكد في تصريح لمنصة "المشهد" أن واشنطن تقوم بإدارة الحرب في غزة من أجل الحفاظ على مصالحها في المنطقة. وقال الطيب: "الولايات المتحدة ترى في إسرائيل قاعدة لها في الشرق الأوسط"، متحدثا عن كون الإدارة الأميركية قدّمت مقاتلتها المتطوّرة F35 لإسرائيل قبل بريطانيا التي تعدّ أعظم حليف لها في أوروبا. وأكد أن هذه الخطوة، تُفهم على أن إسرائيل هي أهم قاعدة متقدمة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وفي شمال إفريقيا وحتى بالقرب من أوروبا، وبالتالي حصلت تل أبيب على جميع أنواع الأسلحة ومضادات الطائرات الأميركية وبالمجان. وخلال لقائه أحد وزراء الدفاع الأميركيين السابقين منذ مدة حيث كان في زيارة للأردن، سأل الطيب الوزير وقال له: "لماذا لا تعطوننا في المملكة مضادات الطائرات وصواريخ ستينغر كما منحتم إسرائيل ونحن حليف استراتيجي لكم؟". وأجاب الطيب: "قال لي نحن لا نعطي إسرائيل فقط الأسلحة نحن نمنحهم مفاتيح مخازننا ومستودعاتنا ليأخذوا ما يشاؤون".اللوبي الإسرائيلي في أميركاويؤكد الطيب أن اللوبي الإسرائيلي مؤثر جدا في الولايات المتحدة، وله سطوة على صناع القرار في واشنطن. ولفت الطيب إلى أن بايدن تحدّث قبل يومين فقط عن مقترح حلّ الدولتين في الوقت التي أبدت إسرائيل عدم موافقتها عليه، مشيرا إلى أن جماعات الضغط في واشنطن هي من تُعطي الضوء الأخضر في هذا الخصوص. وفي عام 2005، أعلن البيت الأبيض ضرورة قيام الدولة الفلسطينية، في حين أكد الطيب: "ها نحن على أعتاب عام 2024 ولم يتم العمل بحلّ الدولتين. اللوبي في واشنطن مؤثّر جدا ويرفض هذا المقترح جملة وتفصيلا". ولن تخاطر الولايات المتحدة بدعم إسرائيل في الحرب من أجل "لا شيء"، وفق الطيب، الذي أكد أن واشنطن مستفيده من جوانب عدة أهمها الناحية الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية.واعتبر الطيب أن "القوي عسكريا هو القوي اقتصاديا وهو من يسيطر".من جهته، أوضح المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية في الجامعة الألمانية الأردنية الدكتور بدر الماضي، أن إدارة الولايات المتحدة مستفيدة من إدارة الحرب في غزة، حيث يمكّن ذلك من تقدم المصالح الإسرائيلية على كل شيء في هذه الحرب غير المتكافئة. وأضاف الماضي في تصريحات لمنصة "المشهد" أن الإدارة الأميركية تدير الحرب عبر "شراء الوقت" لأكثر مما هو ممكن، كما أنها تتجنب الضغوط لتحقيق المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية في المنطقة. ومن أهم ما تحققه الولايات المتحدة في الحرب على غزة، هو ما أسماه "محاولة إنهاء آخر قلاع الإسلام السياسي النشط في فلسطين". وأوضح الماضي أن الإسلام السياسي النشط سواء عسكرياً أو سياسيا يتمثل في جماعة "حزب الله" في لبنان والمليشيات الحوثية في اليمن والحشد الشعبي في العراق والتي جميعها تعتبر من وكلاء إيران.واشنطن تسعى لإرضاء إسرائيل وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة دعت في أكثر من مناسبة إلى ضرورة وقف إطلاق النار ولو جزئيا، إلا أنها لا تريد ذلك نظرا لأنها ترغب فقط في تنفيذ "رغبات إسرائيل". وقال الطيب إن الولايات المتحدة تسخدم قوتها العسكرية بطريقة غير مباشرة عبر تجربة طائرتها من الجيل الخامس في غزة بشكل لم يشهد له التاريخ من قبل. وأضاف: "هذه أكبر جريمة حرب في التاريخ تمّت عبر استهداف المستشفيات والمدارس. وحتى المغول عندما هاجموا بغداد قديما لم يصنعوا جزءا صغيرا مما صنع الإسرائيليون من أسلوب همجي في القتل وسفك الدماء". ولفت الطيب إلى أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن تحدّث مؤخرا في المنامة، عن أن من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها. وخلُص الخبير العسكري إلى اعتبار المطالبات الخجولة لواشنطن بوقف إطلاق النار جزئيا في غزة، أنها "مجاملات" لا أكثر. وأضاف المصدر ذاته أن الولايات المتحدة تملك كل الثقل والقدرة لوقف الحرب في غزة في مكالمة هاتفية قصيرة فقط، إلا أنها غير معنية بذلك الآن، بما أن تجارة الأسلحة لديها مستمرة. "كان بإمكان الولايات المتحدة إيقاف الحرب وفرض هدنة إنسانية خلال أسابيعها الأولى"، يقول الماضي الذي اعتبر أن واشنطن تعلم مدى تأثير الحكومة الإسرائيلية في الوضع الأميركي من خلال اللوبيات. وقال: "نعلم أن الولايات المتحدة مقبلة على انتخابات سيلعب فيها المال السياسي والإعلام العبري دورا كبيرا جدا، لذلك واشنطن في حيرة من أمرها". وأضاف الماضي أن "الإدارة الأميركية فقدت القدرة على الحكومة اليمينية المتطرفة بسبب تقديرات الحكومة الإسرائيلية بأن بايدن لن يقوم بالضغط عليها بسبب ما سيترتب عليه في فترة الانتخابات الرئاسية 2024 وعدم القدرة على التأثير على إسرائيل لأسباب داخلية وخارجية ولن تستطيع حكومة بايدن الضغط على إسرائيل بوقف هذه الحرب العبثية". إلا أن الماضي أكد أن قرار إيقاف الحرب في غزة يتوقف على قرار حكومة إسرائيل ورغبة خالصة منها.(المشهد)