أثارت الهجمات المتبادلة بين إيران وباكستان هذا الأسبوع المخاوف من اندلاع صراع جديد في العالم، يضاف إلى قائمة الحروب الموجودة بالفعل، كحرب غزة في منطقة الشرق الأوسط، والحرب الروسية الأوكرانية في شرق أوروبا. وشنت طهران قبل أيام هجمات استهدفت ما وصفتها قواعد داخل باكستان لجماعة "جيش العدل" البلوشية المعارضة، الأمر الذي أغضب إسلام أباد ودفعها للرد سريعا من خلال توجيه ضربات جوية داخل الأراضي الإيرانية قالت أيضا إنها تستهدف جماعات إرهابية. رسائل ورسائل مضادةوما بين الهجوم الإيراني والرد الباكستاني، كانت الجماعات الانفصالية المناهضة حاضرة بقوة في اللهجة الدبلوماسية المُعلنة، وكذلك في البيانات العسكرية الصادرة من كلا البلدين، الأمر الذي اعتبره محللون تحدثوا مع منصة "المشهد"، بمثابة رسائل ورسائل مضادة تحمل نفس المصطلحات وموجهة إلى الداخل والخارج على حد سواء من طهران وأيضا إسلام أباد. ويعتقد أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة باريس رامي الخليفة العلي أن "المناوشات بين طهران وإسلام أباد مرتبطة بشكل كبير بالصراع الدائر في منطقة الشرق الأوسط بين إسرائيل والفلسطينيين في قطاع غزة. ودور طهران البارز في هذه الحرب من خلال وكلائها؛ إذ تريد إيران توجيه رسائل إلى أكثر من طرف على أنها قادرة على الدفاع عن مصالحها. وكان هذا واضحا من خلال استهدافها للجماعات الانفصالية في باكستان وقبل ذلك قصف أهداف في العراق وسوريا". وقبل أيام من هجومها على باكستان، نفذ الحرس الثوري الإيراني هجمات صاروخية طالت إقليم كردستان في العراق، ومحافظة إدلب في سوريا، حيث قال في بيان نقلته وسائل إعلام رسمية إن "هذا جاء ردًا على الأعمال الشريرة الأخيرة للكيان الصهيوني، والتي أدت إلى استشهاد قادة من الحرس الثوريّ ومحور الممانعة"، زاعما أنه استهدف وكالة تجسس تابعة لإسرائيل في مدينة أربيل العراقية. ويشير أستاذ الفلسفة السياسية خلال حديثه مع منصة "المشهد" إلى أن إيران تريد أن تقول إنها قادرة على الذهاب بعيدا لتوسيع الصراع إلى حرب إقليمية، وهذه بالتأكيد رسالة موجهة إلى الغرب والولايات المتحدة، وأيضا إلى أطراف أخرى في المنطقة، حيث إن التوقيت في حد ذاته مهم للغاية في إطار ما يحدث الآن من حرب في غزة. بدوره، يعتبر مدير مركز جدار للدراسات بالقاهرة والباحث المتخصص في الشأن الإيراني محمد عبادي، أن توقيت الهجوم الإيراني على باكستان يتعلق بشكل أساسي بمأزق داخلي، إذ إنه على الرغم من القوة العسكرية التي تمتلكها طهران، فإن التهديدات وصلت إلى داخل أراضيها من خلال التفجير الذي استهدف حشودا بالقرب من ضريح القائد السابق في الحرس الثوري قاسم سليماني.وفي مطلع يناير الجاري، أوقعا تفجيران متزامنان نحو 95 قتيلا في جنوب إيران، إذ استهدفا حشودًا كانت تحيي الذكرى السنوية الـ4 لاغتيال قاسم سليماني بضربة أميركية. وتوعّد المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي حينها بـ"ردّ قاس" على هذا الهجوم الذي وصفته إيران بـ"الإرهابي" وتبناه تنظيم "داعش". لهذا يضيف مدير مركز جدار للدراسات خلال حديثه مع منصة "المشهد": "الهجوم يطعن بقدرة الحرس الثوري في الحفاظ على الجبهة الداخلية، خصوصا بالتزامن مع الحرب الإسرائيلية على غزة. كما أن طهران لم تشترك في هذه الحرب رغم الداعيات والشعارات التي تعلنها منذ عقود". ويرى محمد عبادي أن إيران سعت للخروج من هذا المأزق، كما أنها أرادت إرسال بعض الرسائل للداخل من أجل رفع الروح المعنوية للشريحة التي تؤيد النظام، وفي الخارج إلى الخصوم، مشيرا إلى أن "طهران اختارت عددا من الجبهات والأهداف السهلة، لكنها أخطأت فيما يتعلق بالساحة الباكستانية". ويضيف: "رسائل الخارج مفادها أن طهران لديها قاعدة صاروخية بعيدة المدى يمكن أن تصيب أهدافها بدقة. وأن أي احتكاك مستقبلي، قد يدفعها لاستهداف المصالح الأميركية في المنطقة أو حتى المصالح الإسرائيلية في البحر الأحمر".وظنت إيران أنه يمكن تمرير هذه الرسائل من خلال استهداف الأراضي الباكستانية، غير أن إسلام أباد لن تسمح أن تكون طرفا في اللعبة الإيرانية مع المجتمع الدولي، حسبما يقول محمد عبادي، مؤكدا أن باكستان كان لديها مساحة واسعة في الرد دون تكلفة؛ لأنها استخدمت نفس المفردات فيما يتعلق بمبررات طهران لاختراق سيادة الدولة المجاورة. ويضيف عبادي: "إسلام أباد أُطرت إلى الرد على الهجمات التي شنتها إيران داخل حدودها أيضا لتوجيه رسائل تتعلق بأمنها القومي، ليست خشية من إيران في المقام الأول، بل خشية من الهند التي تعتبر عدوها الرئيسي".وأعلنت باكستان في البيان الصادر عن قواتها المسلحة استهداف جيش "التحرير الوطني" البلوشي، وهي أيضا مجموعة انفصالية مناهضة لإسلام أباد على غرار "جيش العدل" البلوشي المناهض لإيران، وكليهما يتركزان داخل المحافظات المتاخمة للحدود الإيرانية - الباكستانية من كلا الجانبين. وبلغت حصيلة القتلى في الجانبين 11، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفق تقارير من جانبي الحدود التي تعد منطقة قاحلة شهدت حركات مسلحة منذ عقود، خصوصا أن الانفصاليين في باكستان يشنون منذ عقود تمردا محدودا ضد السلطات من المنطقة الخارجة إلى حد كبير عن سيطرة الحكومة، سعيا للحصول على حصة أكبر من الموارد المعدنية.لا مزيد من التصعيدعلى الرغم من المستجدات المتسارعة للأحداث بين إيران وباكستان خلال الساعات القليلة الماضية، إلا أن المحللين الذين تحدثوا مع منصة "المشهد"، يستبعدون أن يتحول الاشتباك إلى صراع أوسع، إذ يقول أستاذ الفلسفة السياسية رامي الخليفة العلي: "لا يمكن تطور هذه الهجمات إلى صراع مفتوح لأسباب كثيرة ومتعددة لعل أهمها أن المجابهة الشاملة ستكون لها نتائج كارثية على الطرفين". وأضاف: "كما أن الرد الباكستاني جاء مساويا من حيث الأهداف والقوة العسكرية المستخدمة للهجوم الإيراني. حيث يعتبر كان هذا الرد ضروريا بالنسبة لإسلام أباد، وهي لا تريد التصعيد"، مشيرا إلى أنه بناء على هذا الرد وطبيعة العلاقة بين البلدين والأوضاع الإقليمية، فمن المستبعد تطوير هذا الصراع إلى ما هو أوسع من ذلك، "رغم أن هناك احتمالا ضعيفا". ويتفق مع هذا أيضا مدير مركز جدار للدراسات بالقاهرة والباحث المتخصص في الشأن الإيراني محمد عبادي، قائلا: "الخلاف الإيراني الباكستاني بلغ ذروته عند هذه النقطة، ولا أعتقد أن الفترة المقبلة ستشهد أي هجمات جديدة متبادلة بين الطرفين". ويضيف عبادي: "الفرصة سانحة الآن لتفاهمات سياسية تنص على احترام سيادة البلدين وعدم تنفيذ هجمات بشكل أحادي"، متوقعا أن تلعب الصين دور وساطة فعال بين طهران وإسلام أباد من أجل التوصل إلى تفاهمات قد تصل إلى حد تضييق نطاق عمل الجماعات المعارضة والمسلحة التي تستخدم أراض كلتا البلدين لتنفيذ هجمات. ويؤكد هذا أيضا أستاذ الفلسفة السياسية رامي الخليفة العلي، مشيرا إلى أن كلا البلدين حليف لصين، "وهي قادرة على لعب دور كبير للغاية من أجل التهدئة". وقبل ساعات، عرضت الصين التوسط بين إيران وباكستان، إذ قالت المتحدثة باسم الخارجية الصينية "إن إيران وباكستان جارتان قريبتان للصين، ودولتان صديقتان تتمتعان بنفوذ كبير، وتأمل الصين بشكل صادق أن يكون بإمكان الطرفين التزام الهدوء وممارسة ضبط النفس". وأضافت المتحدثة الصينية "إذا كانت هناك رغبة من الجانبين، فنحن أيضا على استعداد للاضطلاع بدور بناء في تهدئة الأوضاع". (المشهد)