لا تزال الهجرة تشكّل هاجسًا في القارة الأوروبيّة، وتَستتبعُ محادثات ومحاولات للاتفاق على سياسة موحدة ضمن بلدان الاتحاد الأوروبيّ لحل هذه المعضلة، غير أنّ الرؤية ليست واحدة وتتباين بتباين الأنظمة التي تحكم هذه البلدان. وقد برزت أخيرًا أنباء عن اتّجاه الحكومة الألمانية التي يترأسها أولاف شولتس، إلى ترحيل اللاجئين السوريّين الذين يرتكبون جرائم، علمًا أنّ هذا التدبير إذا أُقر، ستواجهه عقبات عدة، أولها هو المكان أو الوجهة التي سيتمّ ترحيل المُجرمين المُدانين إليها. ويرو مراقبون أنّ كل التدابير هي موقتة ولا تُلغي كون دول أوروبا سواء المنتمية إلى الاتحاد الأوروبيّ أو الواقعة خارجه، ستبقى مقصدًا لجميع الهاربين من الواقع المرّ في بلدانهم، خصوصًا الواقع بعضها في آسيا وإفريقيا.وكان المستشار الألمانيّ أولاف شولتس قد أعرب عن تأييده لترحيل المجرمين الخطِرين من الأفغان والسوريّين إلى موطنَيهم عقب مقتل شرطي إثر هجوم طعن نفّذه أفغانيّ يوم الجمعة الماضي، في مسيرة لحركة "باكس أوروبا" المناهضة للإسلام في مانهايم، ما أسفر عن جرح 5 مشاركين في المسيرة وإصابة شرطيّ بجروح بالغة أودت بحياته في ما بعد. وأثار الهجوم جدلًا بشأن تخفيف الحظر المفروض على عمليات الترحيل إلى أفغانستان. وقال شولتس في خطاب حكوميّ ألقاه أمام البرلمان الألمانيّ (بوندستاغ): "يجب ترحيل هؤلاء المجرمين، حتى لو جاؤوا من سوريا وأفغانستان. لا يوجد هنا مكان للخطِرين من المجرمين العتاة والإرهابيين"، لافتًا إلى أنّ وزارة الداخلية الألمانية تعمل على التنفيذ العمليّ للأمر.ترحيل اللاجئين السوريّينللإضاءة على أبعاد خطاب شولتس، تحدّث المُحاضر الجامعيّ والمُحلّل السّياسي المتخصّص بالشّؤون الدوليّة الصّحافي أنطوان الحاج، إلى منصّة "المشهد"، قائلًا إنّ:أوروبا تعاني عمومًا مشكلة هجرة غير شرعية، يتدفق معظمها عبر مياه البحر المتوسط، وتفاقمت الأوضاع في السنوات الأخيرة بسبب الحرب السورية، والبؤس في العديد من بلدان إفريقيا، وسيطرة حركة "طالبان" في أفغانستان، وسوى ذلك من مشكلات ومآسٍ.حاول الاتحاد الأوروبيّ مرارًا الوصول إلى سياسة موحدة لمعالجة هذه المشكلة من غير أن يُفلح. بالتالي تعمل كل دولة على التصدي لمعضلة الهجرة بما يناسبها.بخصوص ألمانيا، نعلم كيف فتحت المستشارة السابقة أنغيلا ميركل الباب للسوريّين، ففاق عدد اللاجئين منهم المليون. وليس سرّاً أنّ اضطرابات اجتماعية وأمنية وأعباء اقتصادية نجمت عن وجودهم.اللاجئون "المجرمون" في أوروباورأى المتحدث ذاته أنّ "الكلام الأخير عن ترحيل "المجرمين" منهم، سوى تجسيد لمقاربة قد تتحول إلى سياسة ثابتة لترحيل ما أمكن من السوريّين. ونحن الآن نشهد انتخابات للبرلمان الأوروبيّ يُتوقع على نطاق واسع أن يحقق فيها اليمين المتطرف نتائج كبيرة، وبالتالي سيزداد الضغط للتشدد حيال المهاجرين غير الشرعيّين واللاجئين".وختم الحاج حديثه متسائلًا "إلى أين سيتم ترحيل السوريّين في ظل الرفض الأوروبيّ المستمرّ لإعادتهم إلى سوريا؟".بدوره، تحدّث المحامي والعضو في حزب النهضة الفرنسيّ زيد العظم لمنصّة "المشهد"، قائلًا: "بداية يجب الأخذ بعين الاعتبار، أنّ التصريحات التي أدلى بها شولتس حيال ترحيل المهاجرين من بلاده، تأتي في سياق الانتخابات الأوروبية. ومع ذلك فإنّ تصريحاته لم تتطرق إلى اللاجئين عمومًا، بل إلى "المجرمين"، وهذا ما يمكن فهمه، بأنّ الترحيل ينطبق على الأجانب من مقيمين ومهاجرين ومرتكبي الجرائم". وركزّ على أنه "في ما يخص الأجانب الذين اعترفت الدول الأوروبية بوضعهم القانونيّ كلاجئين بموجب اتفاق جنيف، فهؤلاء يُمنع ترحيلهم إلى بلادهم، بل تتم محاكمتهم في الدول التي يقيمون على أراضيها".من جهة أخرى، أعرب الخبير الجيوسياسي، والمقرب من اليمين الفرنسيّ المتطرف فرنسوا كوستانتيني عن اعتقاده في تصريح لمنصة "المشهد"، أنه "لن يتمّ إرسال أيّ لاجئ سوريّ إلى بلاده، لأنه طالما أنّ بلادهم ليست بخير، فهم ليسوا قادرين على العودة إليها. فجميعنا يعلم أنّ سوريا لا تزال غير مستقرة، وهذا ما يجعل من بقائهم فرضًا لازمًا على الحكومة الفرنسية، فلا مكان آخر يؤويهم".دعايات انتخابية وشدّد كوستانتيني على أنّ "المستشار الألمانيّ أولاف شولتس، يُدلي بتلك التصريحات، قبيل ظهور نتائج الانتخابات الأوروبية الأحد، خصوصًا أنّ السياسية اليسارية زارا فاغنكنيخت ألّفت لائحة مناهضة للمهاجرين، وهذا ما يُقلق شولتس الذي يُتوقّع أن يخسر نحو 10% من أصواته لصالحها… هو يخشاها فعلًا".ووضع كوستانتيني التصريحات الألمانية تجاه اللاجئين السوريّين على وجه الخصوص، في إطار الدعايات الانتخابية، إذ ليس هناك من علاقة دبلوماسية بين دول الاتحاد الأوروبيّ وسوريا".الآراء المناهضة لترحيل اللاجئين، كثيرة منها ما أدلت به منظمة "برو أزول" الألمانية المعنية بإغاثة اللاجئين، التي أعربت عن رفضها القاطع لمقترح شولتس. وقد وصف المدير التنفيذيّ للمنظمة، كارل كوب، الخطط بأنها غير قانونية. فهل تُنفّذ فعليّا ألمانيا "تصعيدها" وتُرحّل لاجئيها "المجرمين"؟ أم يتبخّر الكلام بعد نتيجة الانتخابات الأوروبية؟(المشهد)