ما زالت الصناعة الدفاعية الأوروبية بعيدة من التمكن من مدّ أوكرانيا بالسلاح الذي تحتاج إليه، بحسب خبراء، فعلى الرغم من تقديم دول الاتحاد الأوروبيّ مساعدات عسكرية لكييف بمليارات اليورو، إلا أنّ القدرات لا ترقى إلى مستوى الإرادة السياسية المعلنة.تُعدّ واشنطن الداعم العسكريّ الرئيسيّ لكييف، وقد أرسلت لها أسلحة بقيمة 44.5 مليار دولار منذ بدء الهجوم الروسيّ في 24 فبراير 2022، لكنّ عدم توصل الكونغرس إلى الإفراج عن مساعدات جديدة، وإمكانية انتخاب دونالد ترامب في نوفمبر رئيسًا للولايات المتحدة، من بين عوامل تهدّد استمرار الدعم الأميركيّ وتثير الشكوك بشأنه، ما يزيد حجم المسؤولية على الأوروبيّين. وأفاد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبيّ جوزيب بوريل، بأنّ الدول الأعضاء الـ27 قدّمت 28 مليار يورو كمساعدات عسكرية لأوكرانيا منذ بدء الحرب، وستقدم 20 مليار يورو في عام 2024، إلا أنّ المستشار الألمانيّ أولاف شولتس، أكد أنه يتعين "فعل المزيد" لمساعدة أوكرانيا في الدفاع عن نفسها. وفي حين زاد الأوروبيون حجم ميزانياتهم الدفاعية، ودعا بعضهم على غرار الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون، إلى الانتقال إلى "اقتصاد الحرب"، أنفقت 9 دول فقط أكثر من 2% من ناتجها المحلّي الإجماليّ على الدفاع في العام الماضي. وليست ألمانيا ولا فرنسا أو إيطاليا إحداها، علمًا أنها الأغنى في الاتحاد ولديها صناعات دفاعية قوية. ولفت الخبير في الاقتصاد الدفاعيّ رينو بيليه، إلى أنّ الدول الأوروبية لم ترفع "ميزانياتها بشكل ضخم منذ الهجوم على أوكرانيا، ولم تقدّم طلبيات كثيرة أيضًا" لمصنّعيها. ومع ذلك تعمل المصانع بكامل طاقتها لإنتاج صواريخ للدفاع الجوّي وصواريخ مضادة للدبابات وقذائف ومدافع، منها معدات مخصّصة لأوكرانيا ومنها لتجديد المخزون الوطني. "استقلال استراتيجي"شهدت خطط الاتحاد الأوروبيّ بإنتاج قذائف من عيار 155 ملم، تأخيرًا، إلا أنه يخطط لتصنيع 1.4 مليون قذيفة في العام 2025، متقدّمًا على الولايات المتحدة التي تخطط لتصنيع 1.2 مليون قذيفة خلال الفترة نفسها. وأكد بيليه لوكالة فرانس برس أنّ "طاقات الإنتاج في أوروبا ليست قليلة، لكنها مجزّأة إلى حدّ كبير، إذ ينتشر 15 منتجًا للقذائف في 11 دولة مثلًا، ولا تنسيق بينهم على الإطلاق". ورأى أنّ تلبية احتياجات الأوكرانيّين "ستستغرق وقتًا لأننا لم نضع أنفسنا في وضع الحرب للقيام بذلك"، ويمكن أن يستغرق تصنيع المعدات "أشهرًا، بل سنوات". وأيّد الخبير العسكريّ لدى الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية (DGAP) كريستيان مولينغ، هذا الاستنتاج، معتبرًا أنّ "القاعدة الصناعية الدفاعية الأوروبية غير قادرة على تلبية احتياجات الحرب". ورأى أنه بعد تخفيض إنتاج هذه القاعدة إلى أقصى حدّ ممكن في نهاية الحرب الباردة، "فقدت القدرة على زيادة إنتاجها".وإلى ذلك، لفت إلى أنّ بعض الدول الراغبة في تعزيز وسائلها العسكرية بسرعة، تميل إلى تفضيل مشتريات المعدات الجاهزة (أي الموجودة) وذلك بشكل رئيسيّ من واشنطن، التي تنظر إليها على أنها الضامن لأمنها، على حساب الصناعة الأوروبية. وأفاد معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (IRIS) ومقره باريس، بأنّ من أصل 100 مليار يورو من مشتريات الدول الـ27 من الأسلحة في الفترة من 2022 إلى منتصف 2023، تم شراء 63% من الولايات المتحدة و13% من كوريا الجنوبية. "أنانية وطنية"ويتردّد المصنّعون الأوروبيون بالاستثمار في زيادة الطاقة الإنتاجية، في غياب ضمانات لنشاطهم المستقبلي، على الرغم من جهود بروكسل لتشجيع الطلبيات المجمّعة بين الدول. ورأت الباحثة في المعهد البولنديّ للشؤون الخارجية ألكساندرا كوزيول، أنّ السؤال يبقى مفتوحًا بشأن معرفة ما إذا كانت "زيادة الإنفاق الدفاعيّ في الاتحاد الأوروبيّ، ستؤدي إلى تعزيز صناعته.. أو بالعكس، إلى زيادة الاعتماد" على واشنطن. واعتبر مولينغ أنّ الحاجة إلى الاستقلال الاستراتيجيّ الأوروبيّ لا يشاطرها الجميع، وخصوصًا دول وسط أوروبا وشرقها التي لا ترى أيّ مصلحة اقتصادية في ذلك، لافتًا إلى أنّ صناعاتها الدفاعية "ليست في وضع يسمح لها بالمساهمة بشكل كبير في المشاريع الأوروبية". وقال بيليه، "للأسف ما زلنا نتبع منطق الأنانية الوطنية"، مشيرًا أيضًا إلى وجود "توتر في الخطاب حول الدفاع وقيود الميزانية". وأضاف: "نحن خائفون، لكننا لسنا خائفين إلى درجة تغيير منطقنا". ومع ذلك، لفت مارك كانسيان، من مركز "سي اس آي اس" للأبحاث الأميركي، إلى أنه "إذا لم يدمج الأوروبيون جهودهم الدفاعية بشكل كامل ولم يعملوا ككيان واحد، فلن يتمكنوا أبدًا من بلوغ مستوى القدرات الأميركية". ورأى أحد الدبلوماسيّين الأوكرانيّين أنّ "العملية بدأت بالفعل. وسوف تستغرق بعض الوقت، وعلينا أن نصمد". (أ ف ب)