في شمال قطاع غزة، تحوّلت حياة الفلسطينيين إلى كابوس مستمر أشبه بـ"فيلم رعب حقيقي"، وفقًا لشهادات السكان، مع استمرار القصف الإسرائيلي الكثيف على المنطقة المحاصرة. وجاء ذلك بالتزامن مع سريان اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حزب الله" في لبنان، في وقتٍ تبدو فيه غزة وكأنها في معزل عن أي تهدئة.ومنذ هجوم حركة "حماس" غير المسبوق على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، والذي أشعل فتيل حرب طاحنة، تكثّف إسرائيل عملياتها العسكرية في شمال القطاع، حيث تركز القصف على مدن مثل جباليا وبيت لاهيا.تصف أم أحمد لبد، وهي أم فلسطينية تبلغ من العمر 52 عاما وتعيش في بيت لاهيا، الوضع بقولها: "نعيش فيلم رعب حقيقيا. القصف لا يتوقف، سواء من الجو أو على الأرض. نخشى مغادرة المنزل، لكن حين يطلب الجيش الإسرائيلي منا الرحيل، لا نعرف أين نذهب". أسعار جنونية وظروف قاسيةالوضع الاقتصادي لا يقل سوءا عن الوضع الأمني، ويتحدث أبو محمد المدهون، البالغ من العمر 55 عامًا، عن صعوبة الحصول على الغذاء قائلا: "كيلو الطماطم يكلف 200 شيكل (نحو 60 دولارًا). من يملك المال لشراء ذلك؟ الجو بارد، والطعام شحيح، وكل شيء باهظ الثمن". وحذّرت منظمات إنسانية من تفاقم الأوضاع في شمال غزة، وأكدت منظمة الصحة العالمية أن القطاع بأكمله، خاصة الجزء الشمالي منه، يعاني من نقص حاد في الأدوية، الوقود، الأغذية، والمأوى، مما يفاقم معاناة السكان الذين يعيشون تحت القصف المستمر.الطبيب حسام أبو صفية، مدير مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا، كشف أن الشظايا المتناثرة من القصف الإسرائيلي وصلت إلى المستشفى نفسه، مؤكدًا: "القصف لم يتوقف في محيط المستشفى. نحن بحاجة إلى حماية للعاملين الطبيين، إذ أُصيب 21 من أفراد الطواقم الطبية خلال الأيام الماضية"، كما أكد أن الجيش الإسرائيلي يمنع إدخال أي مساعدات ضرورية إلى المنطقة. المستشفيات على حافة الانهيارفي شمال القطاع، لا تزال مستشفيان فقط يعملان بشكل جزئي، هما كمال عدوان ومستشفى العودة. وأعلن الجيش الإسرائيلي الخميس نقل 34 مريضًا من هذين المستشفيين إلى "مستشفيات آمنة" في مناطق أخرى من القطاع. وتتهم إسرائيل "حماس" باستخدام المنشآت الطبية لأغراض عسكرية، وهو ما تنفيه الحركة والعاملون في القطاع الصحي، مؤكدين أن هذه المستشفيات تخدم المدنيين فقط.نزوح جماعي ومأساة متفاقمةأكد المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فيليب لازاريني، أن العمليات العسكرية الإسرائيلية تسببت في نزوح 130 ألف شخص من شمال غزة، وأضاف أن ما بين 65-75 ألف شخص ما زالوا عالقين في المنطقة، يعيشون في ظروف "تتضاءل فيها فرص البقاء على قيد الحياة". الهجوم الذي شنّته "حماس" على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر أسفر عن مقتل 1200 شخصا، معظمهم مدنيون، وفق الأرقام الرسمية الإسرائيلية. كما اختطفت "حماس" 251 شخصًا من داخل إسرائيل، ولا يزال 97 منهم محتجزين، فيما أعلن الجيش الإسرائيلي عن مقتل 34 منهم أثناء الاحتجاز. من الجانب الفلسطيني، تشير أرقام وزارة الصحة، والتي تعتبرها الأمم المتحدة موثوقة، إلى مقتل 44,330 شخصًا منذ بدء العملية العسكرية الإسرائيلية، معظمهم من المدنيين.على الجانب الآخر من الحدود، بدأ يوم الأربعاء تنفيذ اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حزب الله" في لبنان، بعد مواجهات استمرت لأكثر من عام على خلفية الحرب في غزة. ومع ذلك، يبدو أن التصعيد في غزة لا يزال مستمرا، ما يفاقم المعاناة الإنسانية في القطاع. وسط هذا الدمار المستمر، يظل سكان شمال غزة عالقين بين نيران القصف الإسرائيلي وأزمة إنسانية خانقة، ومع استمرار الحرب وتفاقم الأزمة، يبقى الوضع في القطاع صورة قاتمة لواقع يعجز العالم عن تغييره، بينما تتصاعد صرخات المدنيين دون أي استجابة حقيقية.