أنظر من قريب، ترى غزّة الجريحة والمنكوبة والمشردة، غزّة التي اجتمع أهلها في مخيمات على أطرافها بانتظار قدرهم.أنظر إلى أبعد، ترى غزّة الجميلة.. ما زالت هناك في الأفق، تذكّر الكبار براحة بال نسوها والصغار بضحكات فقدوها.فبعيدًا عن المخيمات، تلمح مدينة الملاهي ودولاب الهواء فيها والمقاهي والممرات والقطار.لا حياةهي أصبحت ذكرى تحجبها مخيمات ينشغل سكانها وخصوصًا أطفالها بكيفية البقاء على قيد الحياة وليس الاستمتاع بالحياة، بعدما شقوا طريقهم إلى هذا الساحل الرملي بالقرب من مدينة خان يونس هرباً من القتال الدائر في شمال وجنوب القطاع.مسا طفلة من المخيمات، وصلت من غزّة مع من بقي لها من عائلتها أمها وأخوها.وتقول ماسا لصحيفة "ذا غارديان": تركنا الكثير خلفنا لأن هذه ربما المرة السادسة التي ننتقل فيها". "لذلك أنا أجلس هنا فقط لا أفعل شيئا، لا توجد ألعاب أو دمى لألعب بها، أو حتى منزل أحتمي فيه، ولأننا نتنقل كثيرًا، فقدت الاتصال بجميع أصدقائي والآن لا أعرف شيئًا عن أحد".قلق دائميعيش سكان المخيمات بقلق دائم، وخوف ليس من الموت بل من المرض والجوع والعطش والتشرد. وانتقل مئات ألاف الفلسطينيين إلى هذا المكان بطلب من القوات الإسرائيلية، ملتزمين بالتعليمات التي يتم بثها عبر المنشورات والهواتف ومواقع التواصل الاجتماعي لإخلاء عشرات الأحياء. وعلى الرغم من أن المسؤولين الإسرائيليين يزعمون تقديم المساعدات الإنسانية الدولية حسب الحاجة لأعداد النازحين الهائلة، فإن الواقع غير ذلك.مقومات عيش معدومةفي الحقيقة، يضطر الكثيرون إلى السير مسافات طويلة للحصول على ماء، ولا يستطيعون شراء ما يكفي من الغذاء، اذ يبلغ سعر كيلو السكر الواحد مثلا 12 دولارًا أميركيًا وهو ما يعادل 6 أضعاف ما كان عليه قبل أن تستأنف إسرائيل تهديداتها بالهجوم على رفح.وتقول صابرين، وهي أم لـ3 أطفال تبلغ من العمر 28 عاماً: نزحت أربع مرات بعد أن غادرت منزلي في بلدة بيت لاهيا الشمالية في بداية الحرب: "هذه ليست حياة إنسان عادي. لا يوجد شيء: لا ماء ولا طعام ولا رعاية صحية ولا حتى مرحاض. يسألني أطفالي عما إذا كان بإمكانهم الحصول على البطاطا ولكن ليس لدينا المال الآن. كل ما نملك هو أغذية معلبة توزعها الأمم المتحدة".أمراض متزايدة"لقد أصيب أطفالي بالأنفلونزا والحمى والالتهاب. إنهم ضعفاء وليس هناك ما يكفي من المضادات الحيوية، لذلك أنا قلقة للغاية". وعلى بعد أميال قليلة يصف عمال الإغاثة الظروف التي يعيشها النازحون بـ"المروعة والمهينة للإنسانية"، مع محدودية الطعام ومياه قذرة وشحيحة، ومرافق رعاية صحية مكتظة، وانعدام الصرف الصحي تقريبًا. ويقول الدكتور جيمس سميث، وهو طبيب طوارئ بريطاني يعمل في جنوب غزة لـ"ذا غارديان": "رائحة الصرف الصحي في مخيمات النازحين الأكثر ازدحاما مخيفة. هناك نفايات صلبة متراكمة على جانب الطرق بسبب عدم وجود طريقة للتخلص منها.حياة من دون خوف هي الحلموتقول احدى السيدات التي تنام في العراء حتى تتمكن أسرتها من النوم في الخيمة: "لم نتخيل أبدًا أننا سننتهي بالعيش بهذه الطريقة. "الآن، الحياة مع كهرباء وماء وغذاء ومأوى هي الحلم". ويقول أطفال المخيمات كما الكبار إن رغبتهم الكبرى الآن هي الحياة من دون خوف: "نخاف من أن نغادر بلدنا نهائياً، ونخاف أيضاً من قصف مكان قريب وتتساقط الحجارة والشظايا علينا. نخاف على بعضنا البعض. نخاف من كل شيء".وقُتل أكثر من 35 ألف فلسطيني غالبيتهم من النساء والأطفال منذ بداية الهجوم الإسرائيلي على غزة في أعقاب هجمات أكتوبر وفقاً لمسؤولين فلسطينيين في غزة.(ترجمات)