منذ إعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية، سادت التوقعات بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو من سيكسب الانتخابات، وهو من سيحكم روسيا لـ6 سنوات مقبلة، يعمل فيها كل ما بوسعه لتحقيق انتصارات مهمة بالنسبة له، ولا سيما حسم الحرب الأوكرانية، ومواجهة الغرب. يعتبر بوتين الرئيس الأطول حكما لروسيا منذ عهد جوزيف ستالين، ونظرا لأنه كان ممنوعاً دستورياً من الخدمة لولاية ثالثة على التوالي، تبادل لفترة وجيزة منصبه مع ديمتري ميدفيديف عام 2008، وقبل انتخابات عام 2012، دفع بوتين بإصلاح دستوري أزال الحدود الدستورية ومدّد فترة الولاية الرئاسية من 4 سنوات إلى 6 سنوات، ليس ذلك فحسب، بل قام بوتين بتغييرات دستورية تسمح له بالبقاء في السلطة حتى عام 2036، أي عندما يصبح عمره 84 عامًا.نسبة مشاركة عالية في الانتخابات وبحسب رئيسة لجنة الانتخابات الروسية إيلا بامفيلوفا فإن التصويت في الانتخابات الرئاسية سجّل أعلى نسبة في تاريخ البلاد وبلغت 77.44%، بتصويت أكثر من 87.1 مليون مواطن.فيما تنافس 4 مرشحين لمنصب الرئاسة وهم: فلاديمير بوتين (المرشح المستقل). ليونيد سلوتسكي (مرشح الحزب الليبرالي الديمقراطي). نيكولاي خاريتونوف (مرشح الحزب الشيوعي). فلاديسلاف دافانكوف (مرشح حزب "الناس الجدد).ينظر قسم كبير من الشعب الروسي إلى فلاديمير بوتين على أنه جوزيف ستالين الثاني (أحد مؤسسي الاتحاد السوفياتي) الذي استطاع هزيمة ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، بعد أن كان الجيش الألماني حينها مسيطرا على أغلب الأراضي الأوروبية، محققا فوزا ساحقا على خصمه آنذاك أدولف هتلر.وفي هذا السياق، يقول الدبلوماسي الروسي السابق ألكسندر زاسبكين في حديث إلى منصة "المشهد" إن "إقبال الجمهور الروسي على الانتخابات يدلّ على تأييد شعبي للانتخابات التي تعتبر حدثا سياسيا واجتماعيا هاما جدا يخدم تثبيت سيادة روسيا". ويضيف زاسبكين أن "المرشحين الآخرين الذين يمثلون الأحزاب السياسية الثلاثة لا يختلفون مع بوتين في القضايا الأساسية، بما في ذلك العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، والاتجاهات الأساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للمرحلة القادمة". بدوره، يقول المحلل الروسي أندريه موتزين في تصريح إلى منصة "المشهد" إن "الجيل الوسط والقديم من الروس صوتا بالطرق التقليدية، أما الجيل الجديد فقد صوت بطريقة أخرى وهي الإلكترونية، وكان فوز بوتين متوقعا، حتى أن المرشحين هم ليسوا منافسين حقيقيين لبوتين". حرب أوكرانياتخوض روسيا حربا في أوكرانيا منذ عامين، وتطلق عليها العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، حيث تتصدر هذه العملية أولويات بوتين، كونه يعتبرها حربا حقيقية مع الغرب، ومن المؤكد أنها ستكون على رأس قائمة أهدافه في الولاية المقبلة. لكن منذ أشهر، يبدو أن الحرب في أوكرانيا دخلت مرحلة جديدة، تزامنت هذه المرحلة مع انخفاض الدعم الغربي وبالتحديد الأميركي لكييف، تبعه الحرب في غزة التي شغلت الدول كافة، سارقة الأضواء من الحرب في أوكرانيا. وبالفعل، كانت هناك أحاديث عن قلة الدعم الأميركي قبل هجوم "حماس" على إسرائيل بأشهر، وتحدث عن ذلك عدد كبير من المحللين الأوكرانيين، من منطلق أن الغرب جرّهم إلى الحرب، ولم يعد يدعمهم بما هو كافٍ لمواجهة روسيا. هذه التغيرات على أرض الواقع سيكون لها تأثير على قرارات بوتين المستقبلية في الحرب بأوكرانيا. ويلخص موتزين التحديات التي ستواجه بوتين في الحقبة القادمة بـ"المنافسة العسكرية والسياسية والاقتصادية. النهج السياسي والاقتصادي الروسي لن يتغير، وسيبقى على ماهو. وربما يكون هناك تفاهمات جديدة أميركية – روسية في حال فوز ترامب بالانتخابات".وبرأي زاسبكين "روسيا ستواصل العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا حتى تحقيق أهدافها المعلنة، وستتصرف دون أي تردد". وبحسب زاسبكين "من المهم الإشارة إلى أن الصراع على الساحة الأوكرانية هو جزء من المواجهة مع المعسكر الغربي التي يجب أن تنتهي بالعودة إلى المفاوضات الجدية الخاصة بالأجندة الدولية الواسعة، بما فيها قضايا الأمن والاستقرار والنزاعات الإقليمية والتعاون المتساوي، أو بعبارة أخرى المفاوضات الخاصة بصفات العالم متعدد الأقطاب".القوة والاقتصاد يركز بوتين منذ بداية الحرب في أوكرانيا على جودة الاقتصاد الروسي، والحفاظ على قيمة الروبل، وهو ما نجح فيه بالفعل. وحول ذلك قال تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" إن الاقتصاد الروسي كان أداءؤه جيدًا على الرغم من العقوبات الغربية، حيث ساعدت التجارة مع الصين وأسعار النفط المرتفعة، في عزل النخبة السياسية والتجارية في البلاد، عن أيّ مصاعب حقيقية. ويرى زاسبكين أن "هناك ضرورة لتأمين التقدم التكنولوجي بغض النظر عن العقوبات الغربية، وبهذا الصدد نلاحظ نجاحات الاقتصاد الروسي خلال الفترة الأخيرة، خصوصا في الصناعات الدفاعية، وهذا سوف ينعكس إيجابا على الفروع المدنية، كما يجب الإشارة إلى تنشيط عمل شركات روسية في المجالات التي خرجت منها الشركات الغربية، وكذلك إلى تطوير التعاون السريع مع الصين ودول آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية بشكل عام". فيما يتابع موتزين أنه على الرغم من العقوبات الغربية إلا أن "الاقتصاد الروسي يتطور، والصناعة العسكرية تعمل ليلا نهارا، وموسكو قادرة على مواصلة الحرب، التي ستنتهي لصالحها بلا شك". ويشير موتزين إلى أنه في حال فوز ترامب بالانتخابات الأميركية القادمة ربما تتغير بعض الأمور، حيث إن الجمهوريين لا يريدون دعم زيلينيسكي، وإذا توفر الدعم بشكل كامل فإن الحرب سوف تنتهي خلال أسبوعين". يشير بوتين في خطاباته دائما إلى قوة روسيا، ودورها العالمي، وظهر ذلك في أول خطاب له بعد الفوز، إذ قال: إن "روسيا يجب أن تكون أكثر قوة وفاعلية". وبحسب تقارير غربية فإنه بالمقارنة مع الرؤساء الأميركيين، فإن بوتين الذي يبلغ من العمر 71 عاماً فقط، لا يزال يتمتع بشباب "نسبي"، الأمر الذي يمنحه القدرة على مواصلة دوره كرئيس حاكم بقوة للبلاد. وأظهرت النتائج الرسمية بعد فرز جميع الأصوات تقريبًا، حصول بوتين على 87% من الأصوات بما يمثّل أكبر فوز على الإطلاق في تاريخ روسيا ما بعد الاتحاد السوفياتي.وتعني النتائج أنّ بوتين (71 عامًا) سيضمن بسهولة فترة رئاسية جديدة مدتها 6 سنوات، ستجعله يتفوّق على جوزيف ستالين، ليصبح أطول زعماء روسيا بقاءً في المنصب منذ أكثر من 200 عام. أشاد الكرملين الاثنين، بالفوز الساحق الذي حقّقه الرئيس فلاديمير بوتين في الانتخابات، مشيرًا إلى أنه تعبير عن دعم الروس "لمساره".وقال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف "نتيجة مثالية بشكل استثنائيّ للرئيس الحاليّ بوتين.. وأبلغ تأكيد على دعم شعب بلادنا لرئيسه والتفافه حول مساره".ورفض بيسكوف في اتصال مع الصحفيّين، الانتقادات الأميركية للانتخابات التي قالت واشنطن إنها لم تكن حرّة ولا نزيهة. وقال إنّ روسيا لا تستمع لمثل هذه الآراء، ووصف المحاولات الغربية لتصوير الانتخابات على أنها غير شرعية، بالسخيفة.خطاب النصر وقال بوتين لأنصاره في خطاب النصر في موسكو، إنه سيُعطي أولوية لحل المسائل المتعلقة بما وصفها بأنها "عملية عسكرية خاصة" تنفذها روسيا في أوكرانيا، وسيعزز قوة الجيش الروسي.وأضاف، "أمامنا العديد من المهام. ولكن عندما نتوحد، بغضّ النظر عمن يريد ترهيبنا أو قمعنا، لم ينجح أحد في التاريخ على الإطلاق في ذلك، ولم ينجحوا الآن، ولن ينجحوا أبدًا في المستقبل".وهتف أنصاره "بوتين، بوتين، بوتين" عندما ظهر على منصّة وهتفوا "روسيا، روسيا، روسيا" بعدما ألقى خطاب إعلان فوزه.(المشهد)