تراقب إسرائيل تطورات الأحداث في سوريا منذ بدء الحرب عام 2011، لكنّ هذه المراقبة تحوّلت إلى ضربات عسكرية مع استعادة الدولة السورية لمعظم أراضيها بمساعدة حليفتَيها إيران، خصم إسرائيل، وروسيا، وحاولت جاهدة الحدّ من نفوذ إيران وحزب الله في البلاد. تخوّفت إسرائيل من وجود الإيرانيّين بجوارها، خصوصًا أنّ طهران كان لها تأثير فاعل في الحرب السورية، وعلى الرغم من التفاهمات السورية -الروسية بالالتزام باتفاقية فصل القوات التي تمّ توقيعها عام 1974، إلا أنّ ذلك لم يُخمد مخاوف تل أبيب من خصمها "إيران"، وعملت على ضرب المواقع الإيرانية داخل سوريا باستمرار. الرواية الإيرانية تقول إنّ ضباطها يقومون بدور استشاريّ في البلاد بناءً على دعوة من دمشق، وعلى خلفية هذا الدور قُتل عدد كبير من الضبّاط الإيرانيّين في سوريا. لكنّ الاستهداف الأخير لمطارَي دمشق وحلب، جاء في ظروف إقليمية مشتعلة، وفي ظلّ حرب قائمة بين إسرائيل وحماس، وذلك بعد أن شنّت الأخيرة عملية "طوفان الأقصى"، كبّدت من خلالها إسرائيل خسائر في الأرواح والعتاد، وأسرت عددًا كبيرًا من الرّهائن الإسرائيليّين لم يتم الإعلان عن عددهم حتى الآن، ما يطرح السؤال حول الغاية من استهداف المطارات في هذا التوقيت، وكيفية تعامل سوريا مع هذه الضربات.قصف إسرائيليّ على سورياأعلنت إذاعة إسرائيل عن هذَين الضربَتَين، قائلة إنّ "غارات للجيش استهدفت مطارَي دمشق وحلب بسوريا"، إذ نادرًا ما تُعلن وسائل الإعلام الإسرائيلية عن تنفيذ هجمات في سوريا. وهذه ليست المرة الأولى التي يتمّ استهداف مطارات سوريا، إذ يعتبر هذا الاستهداف الرابع الذي يستهدف مطار دمشق الدولي، والخامس الذي يستهدف مطار حلب. جاء الاستهداف قبيل وصول طائرة وزير الخارجية الإيرانيّ حسين أمير عبد اللّهيان إلى مطار دمشق، ما قد يكون رسالة إسرائيلية لإبقاء سوريا خارج الحرب، وعدم استخدامها منطلقًا لاستهداف إسرائيل. يقول الخبير السياسيّ والطيار السابق محمود عبد السلام في حديثه إلى "المشهد"، إنّ الردّ السوريّ على الاستهداف، يحتاج بالحدّ الأدنى لمشاركة ودعم دوليّ وعربيّ بشكل عام، وإقليميّ يتعلق بالحلفاء بشكل خاص، لتقييم ردود الأفعال الإسرائيلية حيال السيناريوهات المحتملة في ما لو قررت إسرائيل وحلفاؤها استغلال هذا الردّ لفتح حرب ضدّ سوريا". ويضيف محمود، "عسكريا ومن خلال الخبرات العسكرية خصوصَا المتعلقة بالطيران، ليس من الحكمة فتح جبهة مع إسرائيل بالوقت الحاضر، خصوصًا أنّ الدولة السورية وجيشها، لا يزالان في حالة حرب ضد المجاميع الإرهابية في التنف والبادية السورية، وأرياف حلب، وميليشيا قسد الانفصالية من جهة، ومن جهة أخرى وجود جيوش تركيّة وأميركيّة على الأرض السورية". وفي هذا السياق يبيّن المحلّل السياسيّ طارق علي، إنه "طوال السنوات الماضية حاولت إسرائيل جرّ سوريا إلى المعركة، من خلال استهدافها المطارات والقواعد العسكرية ومراكز الأبحاث. واحتمال فتح جبهة سوريّة مع إسرائيل، إثر استهداف مطارَي حلب ودمشق، يرتبط بالتكتيك العسكريّ الذي تتّبعه سوريا مع حلفائها". مضيفا أنّ "إسرائيل من خلال الضربات السابقة أرادت جرّ سوريا إلى معركة هي من تحدّد توقيتها، لكن لن يكون هناك إجبار لسوريا على تحديد طبيعة ونوعية المعركة، لأنها بالأصل مفتوحة".في الإطار ذاته، يشير المحلّل السياسي عبد الله منين، في تصريح إلى منصة "المشهد"، إلى أنّ "استهداف مطارَي حلب ودمشق يأتي بالتزامن مع القصف الإسرائيلي على غزة، ودائما ما تحاول إسرائيل تصدير أزماتها للخارج، نحن اليوم أمام مشهد جديد، بدأ مع إعلان حماس عملية "طوفان الأقصى"، وبالتالي هناك سيناريوهات مفتوحة، لا يمكن توقّع السيناريو المقبل، ومسألة الردّ السوري من عدمه، تعتمد على عوامل عدة تلتزم فيها الدولة السورية".الضربات على سوريا تسعى إسرائيل من خلال ضرباتها في سوريا إلى تقييد النفوذ الإيرانيّ بشكل أساسي في البلاد، وإلى قطع طرق الإمداد البرية والبحرية والجوية، التي تساعد إيران في سوريا، وبالتالي في لبنان. في حين يمنح الوجود في سوريا المزيد من القوة والنفوذ لإيران في المنطقة، خصوصا وأنها حدودية مع لبنان والعراق، حيث توجد قوى وجهات تدعم وتساند طهران. وعلى مرّ السنوات السابقة، استهدفت إسرائيل الطرق البرية الحدودية التي تربط بين سوريا والعراق من جهة، وسوريا ولبنان من جهة أخرى، والناقلات البحرية التي كانت تحمل مساعدات وإمدادات الوقود إلى ميناء طرطوس، وكذلك استهدفت الموانئ بحدّ ذاتها، بحجة وجود شحنات من الأسلحة الإيرانية. وقد صرّح أحد مسؤولي الدفاع الإسرائيليّين السابقين البارزين، قائلا: "لا أعتقد أنّ إسرائيل مهتمة بضرب كل هدف تابع للقوات التي تقودها إيران.. نحن نحاول ضرب أهداف ذات تأثير استراتيجي.. نريد منع إيران من تحويل سوريا إلى قاعدة إيرانية قريبة من إسرائيل، قد تُحدث تغييرا استراتيجيا جذريا في الوضع". وحول مستقبل الضربات الإسرائيلية في سوريا يقول منين، إنّ "الاعتداءات الإسرائيلية ستبقى مستمرة، هناك قواعد اشتباك جديدة ستُرسم بعد عملية "طوفان الأقصى"، هذه القواعد ستشمل عددًا من دول المنطقة وعلى رأسها سوريا، والتي ستجعل من إسرائيل أكثر قلقًا". في حين يشرح عبد السلام أنه "بالنسبة للضربات الجوية الإسرائيلية سوف تستمر بوتيرة تصاعدية، طالما أنها قادرة على ذلك من دون أن تتكبّد أيّ خسائر، وطالما أنّ هناك دعما وغطاءً أميركيًا ودوليًا غير محدود، وهذه الضربات تحقق غاية إسرائيل في استنزاف مقدّرات الجيش السوريّ ودفاعاته الجوية". دور إيرانيّ في "طوفان الأقصى" من الواضح أنّ إسرائيل ليست صامتة على ما حدث ضمن عملية "طوفان الأقصى"، وأنها ستعمل جاهدة على استعادة هيبتها أمام الداخل قبل الخارج، خصوصا أنها تتلقى دعمًا أميركيًا.وأشارت العديد من وسائل الإعلام الأميركية ومراكز الأبحاث، إلى تورّط إيران في الهجوم الذي شنّته حماس ضدّ إسرائيل يوم السبت، في حين طهران نفت هذه الاتهامات. تحاول سوريا النأي بنفسها عن أيّ حرب مع إسرائيل، خصوصا أنها لم تعد قادرة على أيّ مواجهة بعد حرب اجتاحت البلاد واستمرت لعقد كامل. وفي وقت سابق، كشفت صحيفة نيويورك تايمز، نقلًا عن مصدر في دمشق، أنّ الحكومة السورية، طلبت من إيران ووكلائها، عدم شنّ هجمات ضدّ إسرائيل من أراضيها، تجنُّبا لاندلاع حرب شاملة في البلاد. أما حول الردّ السوريّ والدخول على ساحة المعركة برأي عبد السلام، فإنه "سيبقى بإطاره غير المباشر من خلال الدعم اللّا محدود لحزب الله وفصائل المقاومة الفلسطينية، على اختلاف مسمّياتها، بكل أنواع وصنوف الأسلحة النوعية، وتقديم كل أشكال الدعم اللوجستيّ الممكنة لتحقيق أكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف جنود وعتاد الجيش الإسرائيلي". وعلى الرغم من أنّ الجيش الإسرائيليّ ذكر في تقريره السنويّ لعام 2020، أنّه قصف خلالها نحو 50 هدفا في سوريا، إلا أنه من المرجح أن يكون الرقم قد تضاعف منذ بداية عام 2023. (المشهد)